داعش توقف رواتب الأئمة وتحوّل مساجد ريف حلب إلى مراكز دعايةٍ وتجنيد

دورة شرعية في أحد مساجد منبج - من إصدارات التنظيم

لم يكن في حسبان أيٍّ من أئمة أو خطباء مساجد منبج أنهم سيضطرّون ذات يومٍ إلى ترك خدمة بيوت الله والانشغال بتأمين لقمة العيش لعائلاتهم. 

مع احتلال تنظيم داعش لريف حلب الشرقيّ، قبل أكثر من عامٍ، وقع العشرات من أئمة وخطباء ومؤذني المساجد تحت رحمته. ولم يبدِ مسؤولو التنظيم تقديراً يذكر لأيٍّ من حملة شهادات العلوم الشرعية من بين هؤلاء، بل أظهروا استخفافاً بتلك الشهادات، وعدّوها جزءاً من تراث النظام البعثيّ تارةً، أو أنها بلا فائدةٍ تذكر، تارةً أخرى. واتهموا حملة هذه الشهادات، وطلاب العلم الشرعيّ في المعاهد والكليات الدينية السورية، بأنهم مفتقرون إلى المنهج، وأن علومهم باطلةٌ لأنها تعطّل الجهاد. وكما هو معلومٌ، اضطرّت الحاجة إلى دفع شرور داعش كثيرين من هؤلاء إلى اتباع الدورات الشرعية التي أقامها التنظيم، بعد أن أعلنوا توبتهم وتبرّؤهم من "الضلالات والردّة" التي وُصفوا بها، ومن غير تمييزٍ، من قبل داعش. وبعد هذه التسوية الإجبارية استأنف كثيرٌ من موظفي المساجد عملهم، مع التأكيد على هيمنة داعش المطلقة على المساجد.

يقول أحد الأئمة من ريف حلب: "يعتبرنا التنظيم خطراً كبيراً عليه؛ فنحن، أصحاب الشهادات العلميّة في الشريعة، نعلم بتفسير النصوص والأحاديث والأحكام الشرعيّة والحدود. ولأننا خطباء مساجد عمد التنظيم إلى التنكيل بكلّ من كان منّا يناصر الثورة بفعلٍ أو بقول، وأجبرنا على مبايعته".
ويضيف الإمام: "نفّذ الكثير من المشايخ شروط التنظيم، البعضُ منهم رغبةً وآخرون أجبروا. ولأنّ الوضع الاقتصاديّ في غاية السوء اغتنم التنظيم هذه الحالة، مقدِّماً رواتب للمشايخ على أن يكونوا خطباء مساجد وأئمةً مقابل 12 ألف ل.س شهرياً، غير الوعود بحصصٍ غذائيّةٍ وما شابه ذلك من مكافآت".
وبعد تأخر رواتب هؤلاء لأكثر من ثلاثة أشهرٍ، بدأوا بمطالبة التنظيم؛ فتوجهوا أولاً إلى ديوان الأوقاف بريف حلب، الذي ماطل دون أن يبيّن سبب هذا التأخير. مما دفعهم إلى التوجّه إلى بيت المال الذي أجابهم أن سبب التأخير هو تعليمات الأمير العسكريّ بوقف كلّ النفقات غير القتالية. ليتوجّهوا أخيراً إلى مكتب الأمير العسكريّ الذي نصحهم، بحسب ما يقول أحد الحضور، أن "يتقوا الله، فلن يموتوا من الجوع". وقد أدّى ايقاف المرتبات الشهرية إلى موجة استقالاتٍ "ودّيةٍ" في صفوف المؤذنين والأئمة والخطباء، الذين اضطرّوا إلى ذلك تحت وطأة الحاجة. "فليس سهلاً -بحسب ما يقول البعض منهم- أن يتحوّل المرء من خدمة بيوت الله إلى افتتاح بقالية". لم تبدِ داعش اهتماماً بهذه الاستقالات، لأنها لا ترى للمستقيلين أية ميزةٍ على أقلّ شرعييها علماً. وعملت على سدّ الفراغ بتعيين المنتمين إليها، دون تدقيقٍ في مدى أهليتهم لتولي
الإمامة أو الخطابة. ويتندّر سكان منبج بحوادث عدّةٍ تكشف جهل الخطباء الجدد، وشدّة تبجيلهم لخليفتهم البغدادي على المنابر: "يخطئ بعض الخطباء أحياناً في قراءة بعض الآيات، ويتعثرون في نطق بعض الكلمات، مما يشير إلى قلة تأهيل. أما الخليفة فهو حاضرٌ في كلّ جملةٍ، تقريباً، من الخطبة"، يعلّق طالبٌ جامعيٌّ من منبج على واقع الجوامع وخطبائها الذين "يدفعون المصلين إلى النوم أو العبث بعيداً عن ما يقوله الخطيب على المنبر". وبحسب الطالب الجامعيّ تدور معظم كلمات الخطباء الجدد حول الحضّ على الجهاد في صفوف جنود الخليفة، والتآمر العالميّ على "الدولة الإسلامية"، والظلم الشديد الواقع في حقّها من قبل الأعداء.
اســــتخدمت داعش المســـاجد في المناطق الخاضعة لســــيطرتها لأغراضها الخاصّـــة، وحوّلتهـــا إلى ما يشبه مراكز التجنيد والتحشـيد وتأكيد حضورها وسلطتها في هذه المناطق. وبلغ الأمر بمتولّي حسبة داعش أن يسجّلوا جداول للمصلين الحضور في بعض المساجد، بــــحسب ما يتحدّث بعض سكـــان ريف حلب. وتحوّل المسجد إلى مكانٍ خطرٍ يحذَر منه الآباء والأمهات على أطفالهم، بسبب دروس غسيل الدماغ المستمرّة في معظم أوقات النهار.
وهذا أحد العوامل التي دفعت بعض السكان إلى النزوح، وخاصّةً مع ما يتردّد من شائعاتٍ عن نية التنظيم فرض التجنيد الإجباريّ على الشبّان والمراهقين في المناطق الخاضعة لسيطرته.