خطة عملٍ بيضاء في ظروفٍ متلبدة بالسواد
مركز الهمام للمعالجة الفيزيائية في القنيطرة

خلّفت السنوات المنصرمة الكثير من الإصابات من مختلف الفئات العمرية نتيجة القصف المستمرّ. وعانى العديد من المصابين من صعوبة السفر لتلقي العلاج ضمن المناطق المحرّرة وتكاليفه الباهظة في الخارج، ومن هنا برزت أهمية المعالجة الفيزيائية التي باتت حاجةً ملحةً وضروريةً في ظروف البلاد.

يعدّ هذا النوع من العلاج الطبيعيّ إحدى مهن الرعاية الصحية التي تقدم خدماتٍ للأفراد من أجل تطوير والحفاظ على الحركة وإعادتها إلى الحدّ الأقصى والقدرة الوظيفية في جميع مراحل الحياة. ومن المعروف أن العلاج الفيزيائيّ هو العلاج الطبيعيّ والمهنة الموجودة منذ القدم، ويعتمد على الحركة والتمارين واستخدام بعض الأجهزة العلاجية، ويعدّ جزءاً مكملاً للاختصاصات الطبية الأخرى.

وكغيرها من المناطق التي اشتد فيها النزاع وتعرّضت للكثير من القصف والدمار في سورية؛ تفتقر محافظة القنيطرة إلى مراكز إعادة تأهيل مصابي القصف والمعارك، الذين يضطرون إلى السفر لتلقي العلاج في دول الجوار، ليصبح التنقل سبباً إضافياً في تفاقم حالتهم المرضية.

تعرّض نصر عبد الله، وهو من أبناء القنيطرة، لإصابتين في يده وساقه، أثناء قصف قوات النظام بلدته الرويحينة، فحاول علاج حالته فيزيائياً في عمّان بالأردن، لكنه لم يستطع تحمّل تكاليف ذلك مادياً. يقول لـ«عين المدينة»: «أنا بأمسّ الحاجة إلى المعالجة الفيزيائية. ولو كان -في فترة سفري إلى عمان- مركزٌ للمعالجة الفيزيائية في القنيطرة لما توقفت عن معالجة حالتي عنده، ولكنت الآن بأحسن حال».

تعدّ المعالجة الفيزيائية حاجةً ثانويةً في العموم، إلا أنها حاجةٌ ماسّةٌ ومهمةٌ بالنسبة إلى الكثير من المصابين. وانطلاقاً من هذه الأهمية عمل أسامة أبو همام، المساعد المجاز بالمعالجة الفيزيائية من جامعة دمشق في العام 2008، على إنشاء «مركز الهمام للمعالجة الفيزيائية» في تموز2016، في قرية بريقة بمحافظة القنيطرة، لتقديم الخدمات للعديد من الحالات التي تحتاج إلى علاجٍ فيزيائيّ. وعلى الرغم من قلة الدعم وعدم توافر التمويل اللازم من الجهات المعنية في المعارضة خارجاً أو من المجلس المحليّ، إلا أن ذلك لم يمنع أسامة أبو همام من إنشاء مركزٍ بسيطٍ للتأهيل والعلاج الطبيعيّ.

يقول أبو همام لـ«عين المدينة»: «كنت أعمل في مشفى جاسم الوطنيّ. وفي بداية الثورة عملت في مشفى جاسم الميدانيّ، ثم معالجاً فيزيائياً جوالاً بين قرى وبلدات محافظتي القنيطرة ودرعا، حيث عالجت العديد من الحالات المرضية للمدنيين والكثير من الإصابات للعسكريين جراء المعارك، فعالجت حوالي 450 حالةً من بينها 300 إصابة حرب».

وقال: «لم أتلقّ أيّ دعم، وافتتحت المركز من مالي الخاصّ. يحوي المركز على كامل المعدّات الحركية من جهاز مساجٍ وتنبيهٍ كهربائيٍّ ودولابٍ للكتف، بالإضافة إلى الساونا». وأكد أبو همام: «قمت بصناعة جميع هذه الأجهزة بخبرةٍ مني وبمساعدة محلّ حدادةٍ في المدينة. ومن الحالات التي ابتدأت علاجها في المركز حالة المريض نصر عبد الله». ويضيف: «عمل المركز، منذ تأسيسه، على استقبال كل الحالات الوافدة، من الإصابات الحربية والحالات المرضية بشكلٍ عام. نستقبل حوالي 10 حالاتٍ يومياً، من القنيطرة ومن قرى وبلدات ريف درعا الغربيّ والشماليّ».

img_1

وما يدل على أهمية المعالجة الفيزيائية ما جرى مع الكثير من الحالات، وما يجري مع الطفل معتز الطحان الذي يرتاد المركز يومين في الأسبوع، ويقول لـ«عين المدينة»: «أصبت في قدمي بسبب قذيفة. عولجت إثرها في مشفى القنيطرة الوطني، لكن ركبتي أصيبت بالتكلس. حاولت معالجتها فيزيائياً في المنزل إلا أن المعالجة كانت ضعيفة»، مضيفاً: «منذ افتتاح المركز بدأت معالجة قدمي فيه وبتّ الآن أفضل من السابق».

رغم أن «مركز الهمام» نموذجٌ مصغرٌّ لمراكز التأهيل، إلا أنه حقق بعض الإنجازات بالنظر إلى إمكانياته البسيطة وحداثة إنشائه، من خلال عنايته وتأهيله عدّة حالاتٍ من المرضى والمصابين، ومساعدتهم في العودة إلى حياتهم الطبيعية والصحية شيئاً فشيئاً، وبجهدٍ فرديّ.