حلب... معارك وحصارٌ... فغلاء

الصورة لمركز حلب الإعلامي

يبدو أنّه لم يستجب لطلبات الناشطين في الحملة المشتركة التي أطلقوها في هاشتاغ save_aleppo# غير الثوّار على الأرض. ففي مدينة حلب اشتدّت الاشتباكات بين الطرفين من الجهة الغربيّة الجنوبيّة، بعدما أطلق الثوّار معركة "الاعتصام بالله" وسط تقدّمٍ ملحوظٍ لهم على الجبهة. وتناقل الناشطون من أرض المعركة أنّ الثوار تمكّنوا من السيطرة على عدّة مبانٍ غربي حلب، وقتل العشرات من عناصر النظام، كما تمكّنوا من قطع الطرق الواصلة إلى حلب المحتلة فباتت محاصرة.

مسيراتٌ مؤيّدةٌ فرّقتها القذائف

شهدت المناطق الخاضعة للنظام عدّة مسيراتٍ مؤيّدةٍ حملت عنوانين مختلفة أبرزهما كان تجديد البيعة لبشار الأسد نظراً لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وثانيهما ذكرى ميلاد حزبه. وقد أفادنا البعض بأنّ المواطنين لم يشاركوا في هذه المسيرات طوعاً، بل جرى إجبار المارّة في الشوارع على الانضمام إليها من قبل عناصر الشبيحة الذين انتشروا بشكلٍ مكثّفٍ بين الأحياء السكنية.
وفي السياق نفسه أظهر أحد مقاطع الفيديو الذي نشرته صفحة "حلب الآن" تخبّط وجنون الشبيحة بالقرب من ساحة سعد الله الجابري في منتصف حلب، بعد القذائف التي سقطت على الشارع الفاصل بين الحديقة العامة والساحة، بالتزامن مع قيام مسيراتهم في مناطق مختلفة مثل ساحة سعد الله وساحة الجامعة.
هـ، م"، أحد طلاب الجامعة، قال لـ"عين المدينة": "أغلقوا الكليّات وانتشر الأمن ضمن الحرم الجامعي يدعو إلى المشاركة في المسيرة. في المقابل كانت أصوات الانفجارات الحاصلة في المناطق المحرّرة تهزّ المكان، في الوقت الذي تملأ شوارعنا أصوات مكبّرات الصوت. حقاً... انقسمت حلب إلى قسمين؛ الأول ينعم بالأمان ويشعل الشوارع بالمسيرات، والثاني يشتعل بالنار من حرق البراميل".

الردّ أتى سريعاً

في معركةٍ هي الأهمّ من نوعها على مستوى مدينة حلب أعلنت الغرفة المشتركة لأهل الشام في حلب وريفها عن بدء معركة "الاعتصام بالله"، وتستهدف تحرير كلٍّ من المواقع التالية:
-  كلية المدفعية.
-  الراموسة.
- مـــدرسـة الحـكــمة.
-  تلّتي الشرفة ومؤتة.
وفي سياقٍ متّصلٍ تمكّن الثوار من السيطرة على مساكن الضبّاط قرب ضاحية الأسد، بالإضافة إلى السيطرة على سوق الجبس والطريق الآتي من خناصر إلى حلب. فيما أمطر الثوار مدرسة الحكمة القريبة من مدفعية الراموسة، والتي يتحصّن فيها عددٌ من أفراد ميليشيا حالش، بالعديد من القذائف والصواريخ.
وكان من نتائج المعركة أيضاً وقوع عشرات القتلى بين صفوف ميليشيا حالش وكتائب الأسد، إذ أفاد أحد المصادر بمقتل أكثر من 40 عنصراً معظمهم من حالش منذ بداية الشهر الحالي. بالإضافة إلى تمكّن الثوار من أسر خمسة عناصر، مقابل استشهاد نحو تسعة من الثوار وجرح آخرين. وتمكّن الثوار لاحقاً من إسقاط مروحيّةٍ بواسطة صاروخٍ حراريٍّ بالقرب من مدرسة الحكمة، فيما ألقى الطيران المروحي أكثر من عشرين برميلاً على محيطها. والجدير بالذكر أنّ المؤشّرات الحاليّة جعلت المطّلعين يقتنعون باقتراب تحرير حلب، خاصّةً بعد فتح الثوّار جميع الجبهات وتحريرهم لعدّة نقاط تبدو إستراتيجيةً جغرافياً.
وبالمقابل ازدادت شكاوى المؤيدين على الجهات المسؤولة عن إدارة حلب وفروع الأمن التي أصبحت اليوم على مرمىً مباشرٍ من قبل الثوار. فقد كان لفتح هذه الجبهة تأثيرٌ هو الأول من نوعه على جمهور النظام ومقاتليه في حلب، إذ أصبحت الشكوك تتوارد لدى بعضهم بأنّ حلب قد بيعت للإرهابيين! فيما قال آخرون: لدينا نقصٌ في الذخيرة، والقيادة نائمة.

معيشياً

أصبح الواقع المعيشي في حلب بعد الحصار مثله مثل المناطق المحاصرة في حمص القديمة والغوطة الشرقية وداريا، فقد ارتفعت أسعار معظم المواد الغذائيّة، بالإضافة إلى قلّة نسبة المحروقات وازدياد أسعارها بعد القرار الأخير من حكومة النظام، والذي رفعها بنسبة 20%. فيما لم تكن المناطق المحرّرة من حلب أفضل حالاً بكثير.
فبعد انخفاض قيمة الليرة السوريّة في الأيّام الماضية ووصولها إلى أعتاب الـ180 للدولار الواحد، بدأ معظم التجّار بتعديل أسعار المواد الغذائيّة. ويرى مواطنون أنّ هذه الحالة لا يكون ضحيتها إلا المواطن ذا الدخل المحدود، ممن يعتمد على راتبٍ وسطيٍّ يكاد يغطي احتياجاته اليوميّة. ويحاول التجّار الاحتماء ببعض الحجج كقدم البضاعة وشرائها عندما كان الدولار مرتفعاً، أو ارتفاع تكاليف نقلها. فيما انقطعت السبل بالكثير ممن يعتمدون على المعونات، بعد إغلاق معظم الهيئات الإغاثيّة.

غلاءٌ قتل البعض

يتكرّر أمر غلاء السلع الغذائيّة في المناطق التي تشهد صراعاً، فتتوقف الحركة الاقتصاديّة بشكلٍ كامل، يرافقها احتكار التجّار لبضائعهم مستغلّين احتياج الناس. حدثت هذه القصة مراراً وتكراراً في معظم المدن السوريّة، ولا يبدو لها أيّ حلّ. لا سيما وأن الثوار منشغلون بالمعارك والجبهات من جهة، وتغيب الإدارة المدنيّة في بعض المناطق المحرّرة عن وقف تجاوزات بعض التجّار من جهةٍ أخرى.
الشاب خالد شيخو من ريف حلب يتكلم لـ"عين المدينة" قائلاً: "أعمل سائق تاكسي. وما أحصّله في الشهر بالكاد يغطّي مصروف عائلتي. كل يوم تتغير أسعار المواد، فربطة الخبز كانت بـ 25 ليرة سورية أمّا اليوم فتجاوزت الـ100. ومثل الخبز الرز والعدس والسكر وباقي المواد الغذائيّة. كنّا نستفيد في السابق من معونات الهلال الأحمر، لكنه توقف عن التوزيع بعد اختفاء المعونات من المستودعات دون علم أحد".
ويضيف خالد: "يتحكّم التجّار بحاجتنا كحجر الشطرنج، لكن بتخطيطٍ قذرٍ وأنانيّ. همّهم أن يملؤوا جيوبهم بالمال، حتى أن بعضهم يتمنى أن تبقى الحال كما هي عليه".

تعقيب التجّار

في الطرف الآخر استطلعنا آراء بعض التجّار، وقد تبيّن أن مشاكلهم تفوق في حجم ضررها المتوقّع شكاوى المواطنين. يقول أحد التجار لـ"عين المدينة": "عندما أجلب بضاعتي من تركيا عبر معبر كلّس لا بدّ لي أن أدفع من النقود ما تيسّر لبعض الحواجز التي أمرّ بطريقي منها حتى تسلم بضاعتي. ولا توجد لديّ طريقةٌ لأعوّض الخسارة إلا برفع سعر السلع أحياناً".
أما أحد باعة الجملة فيقول: "دائماً يتهمنا الزبائن برفع أسعار بضائعنا فوق المعقول. ولكن أحياناً نشتري البضاعة بالدولار ونبيعها بالليرة، فكيف لنا أن نوازن بين حجم الخسارة والربح إذا أبقينا السلع على أسعارٍ يتقبّلها المواطن؟! والمشكلة أنه ليس كل الناس يتفهّم طبيعة تجارتنا".
ويأتي هذا التضارب في فرض الأسعار وعدم تقبّل المواطن أحياناً من صعوبة تحصيل البضاعة، وخطر بعض الحواجز غير المعروفة، عدا عن التأثر بسعر الصرف.

الموظفون يعانون الأمريّن

عدسة محمد | حلب

عدسة محمد | حلب

وليست حال الموظفين أفضل من غيرهم من الأهالي، خاصّةً بعد حصر استلام رواتبهم في مناطق النظام بحلب وبشكل شخصيّ. وقد ولّد ذلك خوفاً لدى بعضهم من خطر الاعتقال أو الاستهداف بالقناصات أثناء المرور بمعبر كراج الحجز سابقاً.
المعلمة ك، خ من مدينة منبج تحدّثت لـ"عين المدينة" عن المعاناة التي تعيشها كل نهاية شهر حين ذهابها إلى حلب، فقالت: "اليوم الذي أفكّر فيه طوال الشهر هو ذلك الذي أذهب فيه إلى حلب وأخوض مغامرة عبور معبر كراج الحجز من أجل الوصول إلى مديرية التربية كي أحصل على راتبي الذي يقدّر بـ 22 ألف ل. س. بعد إغلاق معبر كراج الحجز أصبح الطريق إلى حلب طويلاً ويكلّفنا كأجرة ذهابٍ وإيابٍ نحو 4500 ل.س، أي ربع الراتب!".
وتضيـــــــف: "لا يغــــطّي الراتـــــــب مصاريف عائلة من ستة أشخاص. أمّا معتمدو الرواتب فهم الوحيدون الذين استفادوا من هذا الوضع، بسبب تلاعب بعضهم بالرواتب".
الجدير بالذكر أنّ تقارير الأمم المتّحدة، التي صدرت أواخر العام الماضي، أفادت بأنّ نصف سكان سوريا صاروا تحت خط الفقر. فيما هنالك أربعة ملايين ونصف يعيشون فقراً مدقعاً. اليوم... لا يطلب السوريون إلا ما يحتاجونه من مواد تؤمّن استمرار معيشتهم، مثل الخبز والسكر وبعض الخضروات التي تزرع حول المدن.

أسعار بعض المواد في حلب المحاصرة:
كيلو لحمة: 3000 ل. س.
ربطة بقدونس: 100
جرة غاز: 12000
لتر بنزين: 1000
معظم الخضروات شبه مفقودة.