جدران حلب.. لوحاتٌ فنية وقيمٌ إنسـانية ومرآةٌ لتنوّع المجتمع

جانب من الكتابات على جدران حلب | عدسة عبدالرحمن | خاص عين المدينة

آياتٌ.. أشعارٌ.. شتائم.. وكل ما يجول في خاطر المواطن جدران حلب..
لوحاتٌ فنية وقيمٌ إنسـانية ومرآةٌ لتنوّع المجتمع

 

هكذا، وبقدرة ثورة، تحولت الجدران من دفاتر المجانين (وفق مثلٍ سوريٍ شهير) إلى دفاتر المبدعين، فالمدن السورية باتت معرضاً للرسوم والكتابات والقيم، ولوحاتٍ للتعبير عن الرأي... على جدران المباني العامة والمعامل والأبنية السكنية، وحتى السيارات.

كانت كتابات أطفال درعا على الجدران هي الفتيل الذي أشعل الثورة ومن حلب كانت الكلماتٌ بسيطةٌ على الجدران. وكان أبرزها، (ارحل، وساقط، و..... إلخ)، والتي من النادر أن تجد واجهة دكانٍ أو حائطاً لم تكتب عليه. وكانت الكتابة سرية جداً بسبب التضييق الأمني. إذ كانت الكتابات تكتب ببخاخات وبطريقة سريعة.
واختلفت العبارات بعد تحرير بعض المناطق في حلب، وبعد أن شهدت هذه الأحياء تنوعاً كبيراً، وكان من ضمن هذا التنوع الكتابات، فأخذت مختلف التيارات تعنى بالكتابة على الجدران. وقد تنوعت الكتابات بين (إسلامية، وعلمانية، وإصلاحية، وتثقيفية)، الأمر الذي نال إعجاب كثيرٍ من السكان.
ولدوّار جسر الحج وضعٌ خاص. فهو، كما يقول ناشطون، بابٌ للتعرف على كتائب الجيش الحر، فلا تُشكَّل كتيبة جديدة إلا وتضع اسمها على جدران هذا الجسر، حتى بات من غير الممكن رؤية جدرانه من كثرة الكتابات عليها.
وما أكثر المنظمات التي تتبنى الكتابات على الجدران، ومن هذه المنظمات (الريشة الحرة) التي تتألف من مجموعة من الشباب يقومون برسومٍ كاريكاتيرية أو برسومٍ ذات معانٍ رمزية. وهدف هؤلاء الشباب الرئيسي هو تزيين شوارع الشهباء بقدر ما يستطيعون... وهو مشروع للمكتب الإعلامي في حلب، وفق قول الإعلامي حسين، أحد الناشطين في المجموعة.

 

تنوّع

وتكثر الكتابات الإسلامية على الجدران، بين آياتٍ وأحاديث في موضوع مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية السمحة، وفي موضوع الثورة. وهو ما يجده البعض مناسباً للجيل الناشئ، فيقول أبو محمود (مواطن حلبي): "من الجميل رؤية الجدران بهذه العبارات الإسلامية. وهي تعليمية أكثر من كونها زينة. فابني، الذي هو في التاسعة من عمره، حفظ أكثر من عشرة أحاديث من الأحاديث المكتوبة على الجدران. إنه أمرٌ مهم، وأرجو لهم التوفيق".
بينما يقول مواطن آخر، رفض الإفصاح عن اسمه: "إن كل هذه الأشياء لا قيمة لها إلا إن كانت تخرج من القلب (لأن ما يخرج من القلب يدخل إلى القلب). وهذه الكتابات كلها مسيّسة لصالح جهات معينة".
من الجيد أن جدران حلب، وربما غالبية جدران المدن السورية الأخرى، باتت تعبر عن تنوّع المجتمع، فيظهر التوجه الإسلامي على هذا الجدار بينما يظهر توجهٌ مناقضٌ أحياناً على جدارٍ آخر، وبكلمات بسيطة تعبر عن مراحل أولية لبناء الفكر المتنوع. وما الخلاف الذي تعكسه تلك الجدران إلا ظاهرة تلوح بزوال زمن الشمولية والفكر الواحد، والانطلاق نحو حرية طرح الرأي والاختلاف.
في حلب، قد تجد اللوحات المرورية باتت صحفاً يكتب عليها مواطنٌ ثم يمر غيره فيشطب ويكتب مرة أخرى، وتتراكم الكتابات فوق بعضها. وقد تصبح اللوحات الإعلانية أيضاً ألواحاً للمارّة، بأقلام التخطيط وبالبخاخات.. وبالألوان المتعددة أحياناً. فسيفساء المدينة تظهر هنا. وهذه الألوان التي تملأ الجدران لا يمكن تنظيفها بالأدوات المعتادة.. هي بحق بحاجةٍ لخلق بدائل للتعبير حتى يتخلى المواطن عن الجدار وينتقل إلى الكتابة على مساحات أخرى، ولو كانت مجرد ورقة اقتراع في صندوق ديموقراطي.