ثانوية تركمان بارح الشرعيّة ودورها في الثورة

تعدّ مدرسة تركمان بارح الشرعية إحدى أكبر حواضن الثورة والجيش الحرّ في الشمال السوريّ. فما هي؟ وما تاريخها؟ وهل كان سبباً لانتقام تنظيم الدولة الإسلامية منها؟

نبذة تاريخية

ثانوية أبو عبيدة بن الجرّاح الشرعية، التي باتت تعرف بـ«ثانوية تركمان بارح الشرعية» نسبةً إلى القرية التي أنشئت فيها، وتقع في الجهة الشمالية الغربية من مدينة حلب، قرب الحدود التركية. افتتحت المدرسة عام 1989، وهي داخليةٌ تدرّس المواد الشرعية والعامة، تضمّ المرحلتين الإعدادية والثانوية، وكانت تستقبل قرابة ألفٍ ومئة طالبٍ وطالبةٍ من المحافظات السورية، تقدم لهم الإقامة والطعام. وهي تتبع وزارة الأوقاف السورية، لكنها لا تتلقى دعماً منها، بل تعتمد على التبرّعات المادّية والعينيّة، التي تقتطع الأوقاف نسبة 15% منها.

اتّسمت المدرسة بمنهجها العلميّ. إذ عُرفت بنبذها للغلوّ والتشدد من جهة، وتنقية الدّين من الخرافات والبدع من جهةٍ أخرى، وهو ما ميّزها عن بعض المدارس الشّرعية الأخرى،

منذ عام 1992 استقبلت الثانوية الطلاب الأجانب من تركيا والشيشان وداغستان وروسيا وحتى جزر القمر وغيرها، وصل عددهم إلى 110 طلّاب، بقوا فيها حتى عام 1997 عندما صدر قرارٌ حكوميٌّ بنقل كافة طلاب الشريعة الأجانب إلى دمشق.

خرّجت المدرسة عشرات الطلاب والحفّاظ المجازين. وحاضر فيها علماءٌ كبارٌ، كالمحدّث نور الدين عتر الحلبي، ومحمد هشام برهاني الدمشقي، وفقيه حلب وفرضيّها الأول يوسف هنداوي، مدير الجامع الأموي الكبير (المغيّب في سجون النظام حتى الآن). وكذلك حاضر فيها شيخ مشايخ اللغة والإعراب في حلب د. فخر الدين قباوة، وغيرهم.

حراكها الثوريّ

مع انطلاق الثورة شكّلت المدرسة، بطلابها وكادرها التدريسيّ والإداريّ، كبرى حواضن الحراك الثوريّ والمسلّح في ما بعد؛ إذ كانت تضمّ خزّاناً بشرياً من كافة قرى الريف الشماليّ والغربيّ والشّرقيّ لحلب، ما شكّل قاعدةً ثوريةً صلبةً في تلك القرى والبلدات.

ومنها خرج العديد من القادة الفاعلين والمؤثّرين في الثورة، ومن أبرزهم مديرها منذ 2006 الشيخ عبد الله العثمان، أحد مؤسسي لواء التوحيد، رئيس مجلس الشورى في فصيل الجبهة الشامية حالياً. وكذلك الموجّه والمدرّس زاهر الشرقاط الذي قاد فصيلاً عسكرياً وانتقل إلى الإعلام في ما بعد (اغتالته داعش في تركيا. انظر ترجمته في العدد 71 من «عين المدينة») وآخرون. كما قدمت عدداً من الشهداء في المظاهرات والعمل المسلّح.

مع دخول الجيش الحر مدينة حلب صيف عام 2012 أُغلِقت المدرسة لأول مرّة، وتحوّلت إلى مأوىً للنازحين من المدينة، فاستقبلت آنذاك أكثر من 100 عائلة. وفي العام الدراسي 2013-2014 أُعيد افتتاحها ليصل عدد روّادها إلى 290 طالباً. ومع انتهاء امتحانات الفصل الأول أُغلقت للمرة الثانية بعد وصول داعش إلى مشارف القرية، قبل أن تتمكن من السيطرة عليها أواخر تموز 2014.

الثانوية في ظل تنظيم الدولة

تحت سيطرة داعش وصلت أنباءٌ شحيحةٌ عن حال المدرسة، تحدّث بعضها عن إحراق مكتبتها التي تحوي ستّة آلاف عنوانٍ من أمّهات الكتب في جميع الاختصاصات، ونقل أثاثها إلى مكانٍ آخر. وتحدثت أنباءٌ أخرى عن تحويل مطبخها -الذي كانت تعدّ فيه الوجبات للطلاب- إلى ساحةٍ تحوي عدّة زنازين صغيرةٍ للمعتقلين. لم يكن ذلك مستغرباً ولا مُستبعداً، إلا نبأ تحويل المسجد إلى مرمىً للنفايات والخُردة، فقد تجاهله الكثيرون واعتبروه مبالغاً به!

مع وصول قوّات عملية «درع الفرات» إلى القرية، في الرابع من تشرين الأول 2016، لم يكن دخول الثانويّة سهلاً بداية الأمر نتيجة الألغام في محيطها. وبعد دخولها أثبتت الصور صحّة تلك الأنباء، وتعدّتها إلى قيام داعش بإحراق السجن قبل انسحابها. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ؛ بل حصل ما لم يكن متوقّعاً!

فقد توجه عددٌ من المدنيين برفقة أحد عناصر الجيش الحرّ إلى مسجد الثانوية لإعادة تأهيله، ليفاجؤوا بتحويله إلى مستودعٍ مهجورٍ، يلقي جهاز الحسبة فيه ما يصادره من أجهزة الاستقبال الفضائية. ومع بدء تنظيفه انفجر لغمٌ مزروعٌ داخل باحة المسجد، استشهد إثره ثلاثة أشخاصٍ وجرح عشرة آخرون!

تأهيل المدرسة بين المأمول والممكن!

يقول الشيخ محمد ياسر أبو كشة، رئيس المجلس الشرعي في حلب، إنّه يأمل في إعادة افتتاح المدرسة مجدداً، ويعدّها من الصروح العلميّة الهامة التي يجب استغلالها، نظراً لعدم تمكّن ثانويّتي مارع واعزاز الشرعيتين من استيعاب مزيدٍ من الطلاب، مشيراً إلى صعوبة وصول طلاب القرى المجاورة إليها. وأفاد أبو كشة بأن المجلس الشرعي خاطب المجلس الإسلاميّ لمتابعة هذا المشروع والاعتماد على كوادر المجلس الشرعيّ بحلب لإدارته.

سجن داعش في المدرسة - رويترز