تجّار النفط الخام: رغم ضياع البركة، عملنا حلال مالكو الصهاريج يفضّلون الفوضى على صرامة تنظيم الدولة، رغم قضائه على قطّاع الطرق

سيارات معدة لنقل النفط في دير الزور | موقع الجزيرة

ظهرت، منذ أكثر من عامين، تجارةٌ جديدةٌ هي تجارة النفط الخام. ومنذ ذلك الوقت حافظت هذه التجارة على وجودها رغم المعارك الطاحنة التي شهدتها مناطق حقول النفط، ورغم تغيّر الجهات أو القوى المسيطرة على هذه الحقول.

يأتي تجار النفط الخام في المرتبة الثانية –بعد مالكي الآبار أو المسيطرين عليها– في سلم المستفيدين من الاستثمار العشوائي لنفط المناطق المحرّرة. ويعتبر هؤلاء عملهم خالياً من أية شبهة، فهم يشغّلون رأس المال لتحقيق أرباحٍ في عمليات الشراء ثم البيع، بحسب ما يقولون. لكن الأكثر صراحةً منهم يشير إلى خللٍ ما يعتري عملهم، فالربح السريع لمبالغ كبيرةٍ لا بدّ أن يخالطه شيءٌ من الحرام، كما يقول سعيد، وهو مالك صهريجٍ متوسط الحجم. لكنه يحاول، بحسب ما يقول، أن لا يكون جشعاً، وأن يساعد الفقراء والمحتاجين. ويؤكد عبد الله، وهو تاجر نفطٍ شابٌّ من ريف الرقة، الفكرة ذاتها، ويستدلّ عليها بـ"ذهاب البركة" من الأرباح. فهو يعمل بالنفط منذ عامٍ ونصف، ولم يوفّر إلا القليل رغم الأرباح الطائلة التي جناها؛ "إذ لم يشترِ سيارةً فخمة، ولم يبنِ بيتاً جديداً، بل لم "يتزوج امرأةً ثانية". لكن "ذهاب البركة" لا يمنع هذا الشابّ من الاستمرار في قيادة صهريجه والانطلاق نحو الآبار والوقوف هناك على الدور لعدّة أيامٍ حتى موعد التعبئة، قبل أن يرجع محققاً ربحاً بمئات آلاف الليرات السورية. إلى درجة أن التاجر قد يبيع دوره لآخر،
على عجلةٍ من أمره، بمبلغٍ كبيرٍ يصل إلى مئتي ألف ليرةٍ في بعض الحالات.
ويعدّد عبد الله مواقـــــع النفط المفضلة لديه، بدءاً من حقل العمر بدير الزور وانتهاءً بآبار بادية حمص القريبة من حقل الشاعر للغاز. ويعدّد كذلك جملةً من المخاطر التي تواجه السائقين أو التجار، مثل هجمات قطاع الطرق، وغارات طائرات الأسد، وألسنة الناس التي لا تترك أحداً وشأنه. فـ"شعبنا حسودٌ" ويكره الخير لغيره ويعيب الأعمال التي يعجز عنها، بحسب ما يشكو عبد الله ضاحكاً من منتقدي تجارة النفط الخام، "الآخذين بالتقلص عددياً، لأنهم يغيّرون آراءهم بمجرّد حصولهم على أية فرصة عملٍ في واحدةٍ من مهن النفط الكثيرة".
وبين عهود السيطرة المختلفة يصف التجار الأيام الأولى لـ"تحرير الآبار" بأحلى الأيام. ففي ذاكرة كلٍّ منهم قصةٌ جميلةٌ ملأ فيها صهريجه مجاناً أو شبه مجاناً، "كما نملأ الماء من النهر"، ليبيع حمولته في مناطق أخرى، محققاً أرباحاً كبيرةً مقابل لا شيء. وفي معظم المرّات كان التاجر يحصل على تخفيضاتٍ مذهلةٍ من المستولي على البئر، فقد يهديه عشرة براميل مجاناً، تضاف إلى ما يحققه صاحب الصهريج من عمليات التحايل في الكيل عند التعبئة. لكن تلك الأيام ذهبت مع "سيطرة داعش"، كما يهمس رجل نفطٍ متذمّرٌ من صرامة تنظيم "الدولة الإسلامية" في إدارة الحقول، فقد رفعوا الأسعار وفرضوا رسوماً على الزبائن الذين يشترون النفط بالعملة السورية. يصحّح عبد الله كلام المتذمّر بأن التنظيم لم يفرض رسوماً، بل يقدّم حسوماتٍ للمتعاملين بالدولار الأمريكيّ. وأنه هو نفسه قد استفاد من هذه التخفيضات بمقدار ثلاثين ألف ليرةٍ في المرّة الأخيرة التي اشترى فيها. يخفّف المتذمّر من لهجته ويغيّر من موقفه وهو يشيد بقدرة التنظيم الكبيرة على "إبادة قطاع الطرق والحرامية".
في الأجزاء الوسطى والعليا من بادية الشام مواقع نفطيةٌ عدّةٌ، تقع بمعظمها خارج سيطرة النظام. ومنذ أكثر من عامين، ورغم الإنتاجيات المنخفضة نسبياً لهذه الآبار، إلا أنها تتيح، عبر مراحل (الاستخراج والنقل والتكرير العشوائيّ ثم البيع بالمفرّق للمستهلك)، فرص عملٍ لآلاف السكان، وخاصةً في ريف مــــحافظة الرقة. وتعدّ آبار وادي العبيد وحقــــل توينان، والآبــــار القريبة من حقل الشـــاعر، من أبرز مواقع النفط في البادية.