- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
بعد كورونا: هل تطورت المنظومات الصحية في سورية لمواجهة أوبئة جديدة
في الوقت الذي ما يزال العالم يتعافى فيه من جائحة "كوفيد-19"، تزايدت المخاوف من تحول مرض جدري القرود الذي ظهر مؤخراً في دول لم يظهر فيها من قبل، إلى جائحة ووباء عالمي.
وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت في 25 من أيار الفائت، عن تسجيل 131 إصابة مؤكدة بـ "جدري القرود"، و106 حالات أخرى مشتبه بها منذ الإبلاغ عن الحالة الأولى في السابع من ذات الشهر خارج البلدان التي ينتشر فيها المرض عادة.
وأضافت المنظمة أنه وعلى الرغم من أن انتشار هذه الأعداد فوق المعتاد، إلا أن المرض حتى هذه اللحظة "قابل للاحتواء"، مبينةً أنها ستصدر نصائح للتعامل مع المرض تبعاً للتطورات.
ريتشارد بيبودي المسؤول في منظمة الصحة العالمية، قال في مقابلة مع رويترز، إن "تفشي مرض جدري القرود خارج قارة إفريقيا لا يستدعي إطلاق حملات تطعيم جماعية، إذ إن القيام بإجراءات أخرى كالنظافة الشخصية الجيدة والسلوك الجنسي الآمن ستسهم في السيطرة على انتشاره. لكن ما يثير المخاوف أن الإمدادات الفورية من اللقاحات والمضادات الفيروسية محدودة نسبياً".
وهذا ما يجعل الدول التي تمتلك منظومات صحية تسارع الى تجهيز المختبرات ومراكز للعزل الصحي، إضافة إلى إصدار دليل للتعامل مع الحالات المشتبه فيها وتخزين كميات من لقاح الجدري العادي.
إلا أنه من المؤكد عدم حصول مثل تلك الإجراءات في سوريا على اختلاف مناطق السيطرة، حيث أن المنظومات الصحية في عموم المناطق لم تتخذ أية تدابير احترازية لمواجهة أي خطر محتمل، على الرغم من بعض الشكوك بوجود حالات في مناطق شمال غرب سوريا.
أعراض المرض وطريقة العدوى لا تجعله يشكل خطراً كبيراً في الوضع الحالي، ويمكن احتواؤه بسهولة نسبية من خلال تدابير معينة مثل العزلة الذاتية والنظافة الشخصية، لكن مع انهيار المنظومة الصحية في سوريا وعدم توافر اللقاحات ومضادات الفيروسات التي تستخدم للوقاية، ومع قلة الأدوية النوعية لمعالجة الأعراض، إضافة إلى عدم وجود كوادر طبية قادرة على متابعة جميع الحالات، وقلة المختصين منهم الأمراض الجلدية، تعاني المنظومة الصحية في سوريا من ضعف في متابعة الأمراض الجلدية.
ففي منطقة شمال شرق سوريا، لا يوجد سوى طبيبين اثنين في ديرالزور مختصين بالأمراض الجلدية، وأربعة أطباء في الرقة، و12 طبيباً مسجلاً بدائرة الصحة في الحسكة. في المقابل يوجد 16 طبيب جلدية في مناطق شمال غرب سوريا وفق بيانات مديرية الصحة التابعة للحكومة المؤقتة، في حين يبلغ مجموع أعداد أطباء الجلدية في مناطق سيطرة النظام 87 طبيباً، وفق بيانات نقابة الأطباء المركزية، يعمل غالبيتهم في العاصمة دمشق.
لا يعيش الكثير من سكان سوريا حالياً في بيئة تساعد على احتواء المرض، مثل "سكان المخيمات" أو الذين عادوا إلى منازلهم المدمرة، أو ممن يعيشون مع أسر ثانية ضمن سكن مشترك. ويزداد الأمر سوءاً مع انتشار ثقافة التعامل مع الأمراض الجلدية باستهانة، إذ يستعان كثيراً من الأحيان بتركيبات مصنعة محلياً يعمل على إنتاجها وبيعها من يطلقون على أنفسهم "العطارون"، وتؤدي إلى تفشي الكثير من الأمراض الجلدية.
يتفاقم الخوف من توقع تكرار ما حدث مع بداية وباء "كوفيد -19"، عندما لم يقر البعض بالإصابة ولم يلتزم كثيرون بالإجراءات الصحية، ما أوصل العالم إلى وضع خطير. أما السبب الآخر للخوف هو أننا على أعتاب فصل الصيف، وقد حذّر هانز كلوغ المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا، من أنه "مع دخولنا فصل الصيف.. وما يحدث به من تجمعات جماهيرية ومهرجانات وحفلات، فإني أشعر بالقلق من احتمال تسارع انتقال العدوى".
وأكد كلوغ ضمن اجتماع طارئ لمنظمة الصحة العالمية في 21 من أيار الماضي بعد انتشار جدري القرود في 12 دولة بشكل رسمي، أن جميع حالات الإصابة الأخيرة -باستثناء واحدة- لا صلة لها بالسفر إلى مناطق يعتبر فيها جدري القرود مرضاً متوطناً فيها.
وفي ضوء ذلك، فإن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد شكل انتشار المرض وأعداد الإصابات، وقد برر الكثير من خبراء الأوبئة عدم انتشار المرض كجائحة، بالقول إن الإجراءات الاحترازية لمواجهة “كوفيد -19” لم تتوقف بشكل كامل.
سلالتان من مرض جدري القرود
تنتشر سلالتان من فيروس جدري القرود، تسمى الأولى سلالة "فيروس جدري القرود الوسط إفريقي" والتي تتميز بأعراضها الشديدة وبتسببها بنسبة عالية من الوفيات، كما أن عملية انتقال الفيروس من شخص لآخر عن طريق التلامس مؤكدة علمياً.
والسلالة الثانية "فيروس جدري القرود الغرب إفريقي" تسبب أعراضاً أقل شدة من النوع الأول، وتتميز بمحدودية انتقاله من شخص لآخر عن طريق التلامس.
ويدخل الفيروس من السلالتين إلى الجسم عن طريق الجلد المتشقق أو المجروح، أو عن طريق المجاري التنفسية، أو عن طريق الأغشية المخاطية في الأنف والفم والعينين. وتتضمن أعراضه الحمى، الصداع، الانتفاخ، آلام الظهر، آلام العضلات، والخمول.
وبمجرد ارتفاع درجة الحرارة يظهر طفح جلدي بداية من الوجه ثم ينتقل إلى أجزاء أخرى من الجسم، لكنه يكون في أغلب الأحيان في راحة اليدين وباطن القدمين.
أما من ناحية العلاج، فالمرض لا يوجد له أي علاج حتى الآن، ويقتصر التعامل معه على علاج الأعراض واستعمال لقاح الجدري، وبعض الأدوية المضادة للفيروسات مثل دواء (Cidofovir)، بالإضافة إلى استعمال العلاج بالغلوبيولين المناعي للتحكم بحالات تفشي مرض جدري القرود.