بطلة تحوّلت إلى سافلة:
أونغ سان سو ومسحُ روهِنغيا ميانمار من الوجود (2 من 2)

AP Photo

بيني غرين 
13 تشرين الأول-مجلة The Nation  
ترجمة مأمون حلبي

لقد كانت ميانمار، بمعانٍ عديدة، ناجحة. فالروهِنغيا الذين ما زالوا يعيشون في راكين يُمكن التعرّف إليهم فقط بصفتهم بنغاليين، أي مهاجرين غير شرعيين حسب مفاهيم الحكومة. وما نشهده الآن هو إعادة تنظيم اجتماعي بعد امحاء الهوية الروهِنغية. لقد تمّ إعادة توطين سجناء بوذيين سابقين في سعي لتغيير التركيبة السكانية لولاية راكين، مما يخلق بيئة عدائية متزايدة نحو المُتبقيّن من مجتمع الروهِنغيا.

أونغ سان سو

يُقال أن أونغ سان سو كانت صامتة تجاه ما يحصل بحق الروهِنغيا، لكنني أتحدى فكرة الصمت هذه. أونغ لم تكن صامتة. في كل خطوة من خطوات الطريق لعبت أونغ دور الوكالة. أتفهّم كم يصعب على الناس في الغرب أن يعتبروا أونغ مرتكبة نشطة لجريمة الإبادة العرقية الفظيعة إن أخذنا بالاعتبار أنها الفائزة بجائزة نوبل للسلام والعديد من الجوائز الهامة الأخرى. لكن لنتذكر أن هنري كيسنجر حاز أيضاً على جائزة نوبل للسلام بينما كان يدكّ كمبوديا بالقنابل. من المهم أن نفهم أيضاً أنه طيلة التسعة عشر شهراً الماضية كانت أونغ مستشارة لدولة ميانمار، منصب يعادل رئيس الوزراء. إنها قطعاً ليست فاعلاً قليل الأهمية أو ضعيفاً في ميانمار.

أثناء فترة توليها رئاسة الوزراء لم تنتقد، ولا مرة واحدة، العنف المُرتكب بحق الروهِنغيا. لقد أدانت عنف الجميع وانتهاكات حقوق الإنسان من قِبل الجميع، كما لو أنّ هذا كان نزاعاً فيه طرفان متكافئان. إنني لا أسمّي هذا نزاعاً، لأنه عملية إبادة من طرف واحد تجاه شعب محدد. أونغ، كما ذكرت، اتصلت  بالسفير الأمريكي وطلبت منه ومن كل الدبلوماسيين الآخرين ألا يستخدموا تعبير «الروهِنغيا». وهي لم تشجب حديث الكراهية الذي يتفوه به الرهبان، حديث يهدف إلى تدمير الروهِنغيا. كانت أونغ باستمرار تكذب حول الوضع في ولاية راكين بالتزامن مع إعاقة وصول المنظمات الدولية إلى الإقليم، وقد شاركت مشاركة فعالة في التغطية على جرائم الحكومة. لكن، حتى قبل الأزمة الحالية، شاركت أونغ في زرع بذور العنف. فبالرغم من أن حزب «العصبة الوطنية من أجل الديمقراطية» كان لديه مرشحين مسلمين في الانتخابات رفضت أونغ أن تضم قائمة الحزب أي مسلم في انتخابات 2015، وكان هذا استجابة لرغبة دائرتها الانتخابية والأجواء المسعورة برهاب المسلمين في ميانمار. في عام 2017، بعد نشر تقرير أممي وثّق عمليات قتل واغتصاب جماعية من قبل قوات الأمن الميانمارية في ولاية راكين، صرّح مكتب أونغ سان سو أن هذه أخبار مُلفّقة.

عندما بدأت أحدث دورة من دروات العنف، في آب الماضي، ادعى مكتب أونغ على الفيس بوك بسخف أن المجتمع الدولي كان يُساعد ويُشجّع الإرهابيين -كانت تقصد جيش الخلاص لروهينِغيا آراكان، الذي هاجم في شهر آب مواقع أمنيّة-. نتيجة لذلك أُجبرت كل الوكالات الإغاثية والإنسانية على مغادرة ولاية راكين، وبهذا تُركت مخيمات الروهِنغيا بدون طعام لأسابيع -تصرّف أخر عجّل بالشتات الكبير للروهِنغيا-. انحازت أونغ أيضاً بشكل منسجم وبلا تحفّظ إلى صف العسكر، فرفضت إدانة تصرفات المؤسسة العسكرية ضد الروهِنغيا.

علاقة أونغ مع المؤسسة العسكرية مثيرة للاهتمام، لأنها تُعتبر في الغرب الشخص الوحيد الذي وقف في وجه المجلس العسكري لسنوات. علينا أن نتذكر أن والدها كان جين أونغ الذي قاد حركة الاستقلال عام 1948، لذا يوجد رابط عائلي تاريخي بالمؤسسة العسكرية. وأونغ أيضاً هي عضوة في النخبة البوذية. لقد وُضعت أونغ بالفعل قيد الإقامة الجبرية مدة 15 عاما، لكن في بيت جميل يقع على ضفاف بحيرة إنيا، وكان لديها خدم، وكان يُسمح لها أحياناً أن تلتقي بزائرين عالميين. وبالرغم من أنّ المجلس العسكري هو من سجنها فقد أعلنت، وهو أمر مشهور عنها، عن حبها للمؤسسة العسكرية الميانمارية بعد إطلاق سراحها بوقت قصير. كيف يمكن للمرء أن يفسّر هذه المفارقة الصارخة؟ برأيي، أونغ سياسية طموحة جداً، وتفتقر إلى أي رادع. الهدف الأساسي لهذه السياسيّة هو أن تصبح رئيسة لميانمار بغض النظر عن الثمن. فوفقاً لدستور البلاد ممنوع عليها أن تصبح رئيسة لأنها تزوجت مواطن إنكليزي، وولداها وُلِدا في المملكة المتحدة. طوال الـ 19 شهراً الأخيرة كانت كل مساعيها السياسية منصبّة على تغيير الدستور. مع ذلك -هذا الأمر مستحيل بدون دعم العسكر لأنهم يحتفظون بـ 25 % من مقاعد البرلمان- ولتغيير الدستور يتطلّب الأمر موافقة أكثر من 75 % من الأصوات. التضحيات التي على أونغ الاستعداد للقيام بها كثيرة. إبادة الروهِنغيا هي إحدى هذه التضحيات.