عكست برامج "التوك شو" التي انتشرت في الآونة الأخيرة خيبةَ أمل متابعيها، وأصبحت موضع انتقاد يفوق المتابعة، بالرغم من الأموال الطائلة التي صُرفت عليها، ومساحة الحرية التي اكتسبتها بعد سنوات من كبت إعلام الأسد لإنتاج مثل هذه البرامج.

لم يكن مطلوباً من مُعدّي هذه البرامج سوى "بقّ الحصة"، فأدبيات التوك شو تتطلب الاحتكام إلى الجمهور في انتقاء القضايا المطروحة للنقاش، بالاعتماد على مذيع "ظلّه خفيف"، وضيف وجمهور في الاستديو يُفضّل أن يُقدّم رسالة إعلامية على شكل وجبة دسمة لجمهور متنوع في السياسة والفن والمجتمع. وعليه تبدو برامج "التوك شو" السورية على شاكلة (نور خانم) على تلفزيون سوريا و(دراماللي) و(السيناريو) على قناة أورينت، تائهة في عنوان الشارع السوري، فتقرأ الأخبار السياسية بإطار ساخر وعرض في مدة وجيزة، بعيداً عن تفاصيل متاعب السوريين ممن تبقى على قيد الحياة. في حين سبقتها عدد من البرامج في الدراسة والبحث عن جوانب القضايا قبل طرحها على المشاهد، بشكل يخلو من التجريح أو الإساءة للشخص، كما هو الحال المعاكس تماماً في البرامج تلك.

أين البرامج السورية من (توك شو)؟

تُلقي مقدمة برنامج (دراماللي) مافي جعبتها سريعاً، من شرح وتحليل مطول عن فكرة لمسلسل أو إعلان، في شُعب متفرقة، الغاية منه أن يثبت تورّط النظام في الفكرة موضوع الحلقة، ليغدو الطرح مُفرغاً من هدفه، يخلص بشكل دائم إلى "مؤامرة" تُحاك للنيل من السوريين وكرامتهم، ضمن طرح أشبه بالرّدح السطحي، على اعتقاد أنه أسلوب محبب.

وبخلاف ما قدمه البرنامج العام الماضي من رصد الدراما السورية، جاءت إحدى حلقات (دراماللي) هذا العام تعقيباً على إعلان عن منتج غذائي قدّمه الداعية الإسلامي المصري عمرو خالد، فترصده المذيعة بجملة: "والله إزا بتبوس التوبة عالقبلة مالي فاكة عنك، وبدي أطلع بالحلقة!"، لتكون العبارة كفيلة بمعرفة سويّة الإعداد البرامجي لـ (دراماللي)، فهل غاية الحلقة محاسبة رجل دين غير سوري، أم "لنطلع بالحلقة ونعمل Show إعلامي؟" وأين ما يعني الشارع السوري من الحلقة؟

أما (نور حداد)، مقدمة برنامج (نور خانم) السنة الجارية و(درامللي) السنة الفائتة، والتي فرضت حضوراً محبباً وإلقاءً تهكمياً أكثر توازناً في العام الماضي، فقد وقعت في فخ التشابه هذه المرة في برنامجها على تلفزيون سوريا، حتى يمكن للمُشاهد التّنبؤ بفقرات البرنامج وتعقيبات المذيعة بعد متابعة الحلقات الأولى، عدا عن النمطية في اعتماد المطبخ كمكان لعرض برنامجها.

وبدا برنامج (السيناريو) على قناة أورينت -بشارته القصيرة التي تسرد حكاية الثورة ومجراها وسارقيها والمتسلقين على أكتافها!- مقاربة حقيقية لخلق (توك شو) سياسي سوري، إلا أن مقدمه همام هوت، الوجه المسرحي المعروف بأعلى شباك للتذاكر في سوريا قبل الثورة، لم يستطع الخروج من عباءة المسرح، فرصد وعلّق على الأحداث بطرح تهكمي مُختزل يناسب جمهوره المسرحي، كما فعل في مسرحيات (ليلة سقوط بغداد) و(فساد حكومي) وغيرها من المسرحيات، وكأن (السيناريو) في نظر (حوت) بديل مسرحيّ مُصغر.

 من زاوية أخرى كان (السيناريو) يمشي عكس المتعارف عليه في برامج التوك شو، بجلب الإعداد لوجه فني معروف ليكون مُقدماً، بدلاً أن يعمد إلى مذيع فيصبح نجماً، وهو مخالف لما ينبغي أن يكون عليه.

على المقلب الآخر، وانطلاقاً من "حقّ الرد" الذي ما فتئ النظام يكرره على مسامع السوريين، قرر أخيراً ممارسة الحق في خلق برنامج لـ (الرّدح المعاكس). فبعد تواتر ظهور برامج المعارضة التي تتناول النظام، دفع الأخير لصناعة برنامج (كلام كبير)، الذي أخذ في دقائق عرضه الأولى يُحدد قاموس المفردات المسموح له تداولها، فما إن تفوه المذيع بكلمة (ثورة) حتى باغته (ممثلون) بهيئة مخابرات يُطوقونه للاعتقال، لتحال الكلمة إلى (نهضة)، ويغدو البرنامج منصة إعلامية تستهدف المعارضة السورية، وكل مواطن في سوريا بقي في قلبه مثقال ذرة من إيمان بالثورة، بأسلوب طرح مبتذل يتخلّله شتم وسباب، ضمن إطار يتوسّل الفكاهة.

في حين قدّم برنامج (جو شو) على قناة (العربي الجديد) عرضاً سلساً بطرح منطقي ومتابعة دقيقة في أرشيفات الأشخاص المعنيين بالنقد، إضافة إلى حديثه مع مواهب سورية اكتسبت شهرة عبر السوشال ميديا كـ (عمرو مسكون)، ليبدو أكثر البرامج التي فهمت وجع الثورة السورية، مع مقدمه المصري (يوسف حسين) الذي يتمتع بكاريزما وخفة ظل يتطلبها هذا النوع من البرامج، وهو ما لم توفق به غالبية البرامج سالفة الذكر التي تغرد خارج سرب (توك شو) لتصبح أقرب ما تكون إلى برامج (One Man ShoW).

وعليه يبدو أن الطريق طويل باتجاه برنامج توك شو سوري على غرار برنامج التوك شو الأميركي To Night Show التي يتحوّل مُقدموها أحياناً إلى قادة رأي، كما هي حال (أوبرا وينفري) التي اكتسبت شهرة إلى الحد الذي خولها اليوم للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية.