- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
النظام يحاول إحياء البعث الميت في الحسكة
بعد عملية "نبع السلام"، شهدت المناطق التي تديرها "الإدارة الذاتية" تحولات كبيرة، كان منها اتفاق "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والإدارة الذاتية مع النظام السوري، الذي حاول استعماله ليشمل أموراً إدارية وخدمية ولكنه فشل في ذلك. لذلك ربما لجأ إلى أذرعه السياسية ليعيد إحياء تواجده الفعلي في محافظة الحسكة، ولعل أبرزها إعادة الاهتمام بفرع حزب البعث في المحافظة وتنشيط دوره السابق.
نشاطات البعث في الحسكة
في مراجعة سريعة لصفحة حزب البعث العربي الاشتراكي – فرع الحسكة على موقع فيسبوك خلال الأشهر الماضية، يظهر شح نشاطات الحزب في المحافظة، وقد اقتصرت أخباره على الأبراج، حالة الطقس، ونصائح طبية، بالإضافة إلى كلمات "القائد المؤسس حافظ الأسد" ورئيس النظام الحالي بشار، وبعض الأخبار العسكرية في سوريا. عدا ذلك تندر أخبار نشاطات للحزب في المحافظة، كزيارة مسؤوليه للحزب إليها وبعض الدورات والندوات التي يقيمها، والتي يظهر من خلال تغطيتها قلة الحضور من "الرفاق البعثيين".
إلا أنه في الفترة الماضية، ازدادت نشاطات الحزب وزيارات أعضاء القيادة المركزية للحزب، ولعل أهم تلك الزيارات تلك التي أجراها هلال هلال "الأمين العام المساعد للحزب" منتصف تشرين الثاني 2019، والذي اجتمع مع كوادر الحزب في المحافظة وأكد على "أهمية دور القيادات البعثية المتسلسلة في المرحلة المقبلة باختيار قيادات وكوادر ذات كفاءات وحيثيات اجتماعية وثقافية عالية" بعيداً عن المصالح والمحسوبيات الشخصية. عدا عن استجرار ذات العبارات الجوفاء عن "الاندماج بين قيادات الحزب والجماهير الكادحة".
بعد شهر تبعته زيارة عضو القيادة القطرية ياسر الشوفي "لمتابعة والإشراف على انتخابات الشُّعب والفرق الحزبية في المحافظة" والتي استمرت من 12 إلى 16 كانون الأول. وذكر الشوفي خلال انتخابات شعبة ريف القامشلي والتي جرت في نادي "زهروبيان" في مدينة القامشلي خارج المربع الأمني، بدفع شباب المحافظة للالتحاق بجيش النظام.
تنتشر في محافظة 9 شُّعب حزبية (شُّعبة مدينة الحسكة، وشعبة ريف مدينة الحسكة ورأس العين، وشُّعبة القامشلي، وشُّعبة ريف القامشلي، وشُّعبة رميلان، وشعبة المالكية، وشُّعبة الشدادي، وشُّعبة الجبسة) لكن معظم الانتخابات التي تخص تلك الشعب جرت في مدينة الحسكة والقامشلي. وبالإضافة إلى الشُّعب، هناك عدد كبير من الفرق الحزبية في القرى والبلدات والمدن في المحافظة، تختص كل فرقة بعمل معين، مثل فرقة المعلمين وفرقة الفلاحين وفرقة المهندسين وغيرها.
نشاط البعثيين في ظل الإدارة الذاتي:
خلال السنوات الماضية، سيطرت وحدات الحماية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي شكل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، على معظم محافظة الحسكة باستثناء ثلاث نقاط عسكرية خارج المدن، والمربعين الأمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي حيث اقتصر وجود مقرات حزب البعث، أما البعثيون فقد تحول نشاطهم إلى نشاط سري ومتنقل والذي يشبه إلى حد كبير نشاط الأحزاب الكردية قبل 2011.
فأصبح المنتسبون لحزب البعث يجتمعون في المنازل، ويدعون بعضهم البعض بشكل سري إلى الاجتماعات وجمع الاشتراكات، بعد أن خضعت جميع مقرات الحزب في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام منذ 2012، لسيطرة قوات الحماية الكردية.
ففي مدينة رأس العين على سبيل المثال، تحول مقر شعبة الحزب سابقاً إلى مقر لبيت الشعب، أحد مؤسسات الإدارة الذاتية. في هذا الصدد يمكن تصور الحسرة التي يبديها فواز الأحمد أمين الفرقة الحزبية في مدينة رأس العين على مصير مقرات الحزب وما آلت إليه، ويذكر في أكثر من مكان أن بعض "الرفاق كانوا يبكون في الاجتماعات لهذا الواقع". ويقول الأحمد حين يرتاح لمن يسأله عن مصير الفرقة الحزبية بعد كل تلك التغيرات التي طرأت على السوريين والمنطقة "كان هناك العديد من الأعضاء المنتمين للحزب، ولكن فقدنا معظم السجلات، لذلك قمنا بجلب أسماء الأعضاء بالحزب من فرع الحزب بالحسكة لجمع الاشتراكات منهم بشكل سري، وكذلك لمعرفة البعثيين الذين هم على تواصل أو عمل مع الإدارة الذاتية ليتم رفع تقرير به لتتخذ القيادة قرارها بشأنه" كما تحدث لعين المدينة أحد أصدقاء الأحمد.
على أن التقارير بالطبع لم توفر الموظفين المزدوجين الذين حافظوا على وظائفهم لدى النظام وبالوقت ذاته توظفوا لدى الإدارة الذاتية. يستطرد الأحمد "أن العديد من الرفاق البعثيين كانوا يتجنبون الذهاب إلى دوائر الإدارة الذاتية لسبب عدم رغبتهم بتوقيع أو حمل ورقة صادرة عن الإدارة الذاتية ولا تحمل اسم الجمهورية العربية السورية". إما فيما يخص الأكراد البعثيين فيقول الأحمد "منذ رحيل البعث عن المنطقة لم يدفعوا الاشتراكات، وقمنا برفع تقاريرنا بهذا الخصوص، لذلك قامت القيادة بفصل قسم منهم".
وعن أسباب انتساب الأكراد إلى البعث، فيقول جهاد (كردي من مدينة رأس العين، والده من أوائل المنتسبين إلى حزب البعث في المحافظة) أن انتساب الأكراد كان "من أجل الحصول على الوظائف وتسيير الأمور الحياتية. لكن رغم انتساب الأكراد إلى البعث إلا أنهم تعرضوا لكتابة التقارير من البعثيين العرب، فوالدي كتب به تقرير لأنه كان يتكلم الكردية مع المراجعين إلى مكتبه في مكان وظيفته".
وفي حادثة طريفة، يروي اراس (31 عاماً من مدينة رأس العين، موظف سابق لدى مديرية مال رأس العين التابعة للإدارة الذاتية) عن توسطه لأحد البعثيين لقبوله في عمل تقدم إليه في الإدارة الذاتية. يقول "في البداية رفضت الإدارة الوساطة بحجة أنه بعثي وأبوه بعثي، ثم تم توظيفه، ولكن فيما بعد صار يكتب تقاريره إلى الإدارة الذاتية بي لأخذ مكاني. البعثي يحافظ على سلوكه بكتابة التقارير".
وحول كتابة التقارير يتابع اراس "كان لدينا في الحي شخص مفروز يراقب الوضع في المسجد. كان يبدي تذمره من الحياة اليومية حتى يستدرج الأهالي للكلام. ورغم أنه كان دائماً من أوائل المتواجدين في المسجد، إلا أنه كان يصلي في الصف الثاني أو الثالث لمعرفة كل من يتقدم إلى الصف الأول، وبذلك يعرف الملتزمين الذين يقفون عادة وراء الإمام".
علاقة حزب البعث بالأكراد والإدارة الذاتية والعكس:
في شهر نيسان لعام 2017 حصلت العديد من التغييرات التنظيمية لحزب البعث خلال اجتماع القيادة القطرية للحزب برئاسة بشار الأسد، والتي نتج عنها وصول كرديين اثنين من مدينة عامودا إلى اللجنة المركزية للحزب في سابقة هي الأولى من نوعها، مقابل "الإشارة إلى الحقوق الثقافية للكرد تحت سقف سوريا الموحدة"، تصب في الإيحاء بأن الحزب لكل السوريين.
وفي الحسكة، بقي الحزب يمارس نشاطه العلني والسري في مناطق الإدارة الذاتية، دون أي مواجهات بينهما عدا حوادث بسيطة، لعل أهمها اعتقال عبد الناصر الكركو عضو قيادة شُّعبة الحزب في مدينة الحسكة منتصف عام 2017 قبل أن يطلق سراحه بعدها بساعات.
أما الإدارة الذاتية فقد بررت وجود الحزب ضمن مناطق سيطرتها أنه "يتقوقع على نفسه"، ويقتصر وجوده في المربعات الأمنية التي هي بالأصل خارج سيطرة الإدارة. ورغم اقتصار تواجد النظام في المربعات الأمنية وبعض القطع العسكرية وتضيق الإدارة الذاتية على البعثيين في مناطقها، إلا أنه لم تعمل على اجتثاث البعث، وقد ذكر رياض درار الرئيس المشترك لمجلس سوريا في لقائه مع قناة رووداو الكردية بتاريخ 28-4-2017 أن "الإدارة الذاتية (أصدرت) قراراً يُلزم كل الأحزاب والتنظيمات بإصدار تراخيص للعمل بشكل نظامي، وأعتقد أن على حزب البعث إصدار ترخيص قبل غيره".
البعثي قديماً وحديثاً
ربما ما زال الكثير من السوريين يحتفظون بصورة عن "الرفيق البعثي" وهو يرتدي بذلة "سفاري" بصلعة يحاول تغطيتها بشعر جانبي رأسه، أما إذا كان لديه شعر في أعلى رأسه فيشترك مع رفاقه الباقين بتسريحة خاصة، تتردد في حديثه كلمات من معجم إيديولوجي قديم، ويسمي حافظ الأسد بالقائد الخالد، وبشار الأسد بسيادة الدكتور بشار حافظ الأسد بحرص واضح على ذكر اسم حافظ. في حين يشابك أصابع يديه، أو يطابق بصماتها جاعلاً من كل إصبعين رقم ثمانية (8).
على أن الكثير من ذلك تغير اليوم، فالبعثي الجديد يلبس بناطيل الجينز ويملك تسريحة شعر عصرية. لكن الجيلين ما يزالان يحافظان على تقديس رمزية حافظ الأسد "الأب المؤسس"، و"الرفيق المناضل الدكتور بشار حافظ الأسد"، إلى جانب إثبات الثلاثية المقدسة "جيش باسل، شعب صامد، قائد حكيم"، كما يلاحظ البعض