المشاريع الصغيرة في الجنوب السوريّ
بين الحاجة الملحة ونقص الدعم

كثيرةٌ هي العوائل التي فقدت معيلها خلال السنوات الماضية. ولا يقتصر فقدان المعيل على وفاته أو اعتقاله أو إصابته، بل يمتدّ أحياناً إلى فقدان الأشخاص أعمالهم كما هو الحال بالنسبة إلى الموظفين الذين فصلوا من الدوائر الحكومية لارتباطهم بالثورة السورية، أو حتى فقدان بعض الشباب دراستهم، وبالتالي انتفاء أيّ أملٍ بالتوظيف بعد التخرّج. وقد أدّى ذلك إلى سوء الحالة المعيشية لعددٍ كبيرٍ من العائلات في جميع المناطق المحرّرة دون استثناء.

السيد أبو محمد، وهو أحد الموظفين المفصولين، قال لمجلة «عين المدينة»: «بعد مشاركتي في التظاهرات المناهضة لنظام الأسد عام 2011 بريف درعا واجهت قراراً بالفصل التعسفيّ من وظيفتي، ولم يكن لديّ أيّ مصدر رزقٍ آخر، فاضطررت إلى الاستدانة من الأقارب لأفتح دكاناً صغيرة أعتاش منها أنا وعائلتي. واجهت كثيراً من المشاكل في البداية من ناحية الانسجام مع العمل الجديد، وكذلك في سداد الديون، لكن الأوضاع باتت أفضل بعد مرور أشهرٍ من العمل».

السيدة هاجر، وهي أمٌّ لأربعة أطفالٍ استشهد زوجها خلال قصفٍ مدفعيٍّ طال منزلها في ريف القنيطرة، تقول إنها عانت لعامين بعد استشهاد زوجها، وكانت تعتمد على مساعدات بعض المتبرّعين وإخوتها وأقارب زوجها، إلى أن زوّدتها إحدى المنظمات العاملة في المجال الإنسانيّ بماكينةٍ للخياطة وبعض المستلزمات من خيوطٍ وقطع قماشٍ فجعلت منها مصدراً للرزق، إذ تقوم بخياطة كل ما يتعلق باحتياجات النساء في منطقتها، وتعيل بذلك نفسها وأبناءها لتأمين احتياجاتها المعيشية اليومية.

بسام، وهو شابٌّ تخلى عن دراسته في جامعة دمشق إثر اعتقاله عقب اندلاع الثورة، لم يكن في وسعه إلا أن يبادر مع بعض أصدقائه إلى القيام بمشروعٍ صغيرٍ يتمثل في مدّ شبكةٍ للإنترنت عبر مجموعةٍ من النواشر في قريته بريف القنيطرة، ما أمّن لهم دخلاً مؤقتاً في ظل قطع النظام شبكة الاتصال والإنترنت عن المنطقة.

وبالرغم من قدرة البعض على تأمين بدائل أو مشاريع صغيرةٍ لتغطية الاحتياجات المعيشية، إلا أن مصاعب كبيرةً ترافق تأمين مثل هكذا مشاريع بحسب السيد مأمون، وهو عضو مجلسٍ محليٍّ في ريف درعا. إذ تشير الإحصاءات المحلية إلى أن أكثر من 80% من عائلات الشهداء والمعتقلين والمصابين، وكذلك المفصولين من وظائفهم أو جامعاتهم، لا يستطيعون تأمين دخلٍ شهريٍّ دائمٍ يكفيهم. وقد يحصل بعضهم على كفالاتٍ شهريةٍ أو مؤقتةٍ من بعض المتبرّعين أو من بعض المنظمات المعنية بالشأن الإنسانيّ، لكنها لا تكون كافيةً في الغالب.

يقول السيد مأمون إن مشاريع متعددةً يمكن أن تكون ذات فائدةٍ جمّةٍ للمجتمع في المناطق المحرّرة، فمثلاً يمكن أن تكون ورشة خياطةٍ صغيرةٌ مصدر دخلٍ جيدٍ لعددٍ من النسوة، مع تأمين عددٍ من آلات الخياطة والقماش والطاقة الشمسية اللازمة، إذ يحرّض ذلك على الإنتاج والإبداع الذاتيّ ويحوّل المرأة إلى عاملٍ فعالٍ في المجتمع. كما يمكن أيضاً أن تقام مشاريع من قبيل تزويد بعض العائلات برؤوسٍ للماشية في بعض المناطق الريفية المحرّرة لإنتاج الحليب واللبن والجبن والزبدة والسمن، ما يحسّن الوضع المعيشي لتلك العائلات ويحفزها على توسيع إنتاجها.

من جهته أكد المهندس أبو عمر، وهو أحد القائمين على تصميم بعض المشاريع الهندسية، أن الدمار الحاصل في المنطقة الجنوبية جرّاء المعارك على مدى سنواتٍ بات يحتاج إلى عملٍ وجهدٍ كبيرين لترميم بعض المنشآت الحيوية وإعادة إعمار بعضها. وبيّن أبو عمر أن فرصاً كبيرةً للعمل تنتظر منظمات المجتمع المدنيّ التي يمكنها أن تستغل هذا العدد الهائل من العاطلين عن العمل في بعض القطاعات، كإصلاح آبار المياه وشبكاتها وتعقيم مياه الشرب. كما يمكن أن يتمّ تشجيع مشاريع النظافة العامة في القرى والبلدات مع توفير الكوادر اللازمة لذلك، ويمكن أن يكون ترميم المدارس ومنازل المتضرّرين مجالاً لتوفير فرص عملٍ جيدةٍ أيضاً.

وأكد الناشط أبو شهد أن العائق الأكبر أمام تنفيذ المشاريع الصغيرة -والمتوسطة- وتسخيرها لإفادة العائلات والأفراد المنقطعين عن العمل، هو عدم توافر الإمكانيات المادية اللازمة للقيام بذلك على مستوىً واسع.

تأمل الكثير من العائلات في أن تتوسع هذه المشاريع، وأن تنتقل منظمات المجتمع المدنيّ من توزيع الكفالات الشهرية أو المعونات الإغاثية الدورية إلى تمويل وتنفيذ المشاريع الإنتاجية التي تؤمّن استمرارية الدخل وتفعّل التنمية المجتمعية.