المجلس الإسلامي السوري

مع انطلاق الثورة نشأت العديد من التجمعات والروابط العلميّة والشرعية، وسلك كل منها طابعاً وتخصّصاً مختلفاً عن الآخر، بدءاً بالقضاء مروراً بالتعليم وشؤون الدعوة والإفتاء، وانتهاءً بإدارة الأوقاف وشؤون المساجد. إلا أن الحاجة لوجود مرجعيّة دينيّة واحدة باتت أكثر إلحاحاً بعد التحول للعمل المسلّح، إذ لا بد من التصدي لعشرات الأحكام والنوازل الفقهيّة الجديدة المرتبطة بقضايا الشأن العام، إلا أن كثرة انشطار هذه الروابط وتزايد أعدادها، وتولي غير الأكفاء لبعضها، فضلاً عن تدخلها في ملفات ومؤسسات ليست من اختصاصها، لعب دوراً سلبياً للغاية، وأسهم في الفوضى وانتشار الغلو والتكفير بشكل أو بآخر، إلى أن تم تشكيل المجلس الإسلامي السوري كمظلّة جامعة لمعظم هذه الهيئات.

يواجه المجلس انتقادات، بعضها قد يكون محقّاً، وبعضها مبالغ به، خصوصاً من «فصائل السلفية الجهادية»، وحول الانتقادات للمجلس يقول د. عبد الرحمن الحاج (أكاديمي وخبير في الجماعات الإسلامية) في لقاء خاص مع عين المدينة: إنّ المجلس غير واضح الوظيفة، إذ من المفترض أن ينحصر دوره الأساسي في الجانب الشرعي والديني، إلا أنّ بعض الفتاوى التي أطلقها منحازة سياسياً لطرف داخل الأجسام العسكرية والسياسية ضد آخر، كما أن هناك تداخلاً بين دوره الديني والسياسي، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الفتاوى التي أطلقها بشأن التعديل الدستوري التركي، وأيضا بما يخصّ السياسات المصرية، رغم أن ذلك لا يتعلق بالشأن السوري إطلاقاً. ويضيف د. الحاج: صحيح أنّه وقف ضدّ التطرف، ولعب دوراً في إضعاف الشرعيّة الدينية للفصائل، إلا أنه لم يستطع أن يتحول إلى مرجعية دينية لقوى الثورة، ولا حتى لعموم الناس.

وكان قد شكّل المجلس إطاراً مرجعياً جامعاً لمعظم الهيئات الشرعية والروابط العلمية -على اختلاف مشاربها الفكرية وتياراتها الحزبية والمذهبية- إلا أنه لم يتمكّن من تكوين مرجعية شرعية موحِّدة للشعب السوري، كما جاء في بيان تأسيسه، خصوصاً مع انحسار الثورة وكراهية الكثير من الناس لل(متدينين)، كردة فعل على ممارسات داعش وأخواتها، إضافةً إلى حالة الرفض والتّعنّت لدى بعض الفصائل، ومنها حركة أحرار الشام التي انسحب شرعيّوها إبان تأسيس المجلس، لاعتراضهم على بنود تبنّاها في ميثاقه، إضافة إلى نسبة تمثيل لهم طالبوا بها داخل جسم المجلس، وهو ما أضعف من أدائه وثقله على الأرض. ومن أبرز ما جاء في ميثاق تأسيسه، إقراره بحقوق الأقلّيات، وكفالة حقوق المواطنة لكل السوريين، دون تمييز دين أو عرق أو مذهب على آخر غيره.

من هو المجلس الإسلامي السوري؟

هو هيئة مرجعية شرعية وسطيّة سورية، أعلن عن تأسيسه منتصف نيسان 2014، وقد ضمّ قرابة 40 رابطة علمية وشرعية من أنحاء سورية، بهدف «تكوين مرجعية شرعية وسطية موحِّدة للشعب السوري، تحافظ على هويته ومسار ثورته» كما جاء في بيانه التأسيسي، تصدّى المجلس للعديد من قضايا الشأن العام في سورية، من أبرزها فتاوى: التدخل الأمريكي البري شمال سورية (انظر العدد 79)، التغلب بين الفصائل، التنسيق مع تركيا في قتال داعش، الدعوة لتشكيل جيش وطني يتبع للحكومة المؤقتة، مجازر قوات التحالف وروسيا والأسد في دير الزور، بغي هيئة تحرير الشام وثناء على انشقاق بعض الفصائل عنها، الاعتداءات على الأقصى، وغيرها من الفتاوى.

وبعد تأسيس المجلس الإسلامي السوري توقّفت مكوناته، من هيئات وروابط وتجمّعات، عن إصدار الفتاوى والبيانات التي تتعلق بقضايا الشأن العام، ليناط هذا الدور وينحصر بلجنة الفتوى في المجلس فقط، وفي 14 أيار 2017 أعلن المجلس تشكيل (مجلس الإفتاء)، الذي ضمّ علماء من المجلس وآخرين من خارجه، في خطوة اعتبرها المجلس الإسلاميّ تأكيداً على استقلاليته وتعزيزاً لفتاوى الشأن العام والنّوازل التي لا ينبغي التفرّد بها، سيّما وأنّها تحتاج اجتهادات فقهية تفي بضرورات العصر كحاجته، حسب ما جاء في بيان تشكيل مجلس الإفتاء، وبذلك أصبحت الفتوى محصورة بمؤسسة بدلاً من لجنة فحسب. ومن أهم الأعمال التي قام بها المجلس كانت رعايته لإصدار وثيقة توافقية لمبادئ وطنية وثورية عرفت باسم «وثيقة المبادئ الخمسة للثورة السورية»، التي وقّعت عليها أبرز الهيئات الشرعية والقضائية، والكيانات السياسية، إضافةً لعدد من الفصائل ومنظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية، وأبرز الشخصيات الوطنية أيضاً.

وتدخّل المجلس أيضاً في حل النزاعات بين الفصائل، ومن أبرزها النزاع في الشمال السوري مؤخراً، بين فصيل السلطان مراد والجبهة الشامية، حيث تم وقف القتال بين الطرفين، والاتفاق على الاحتكام للمجلس، وانسحاب العسكر من المباني الخدميّة، وتسليمها للمجالس المحلية. يوفد المجلس أيضاً في كل عام مرشدين دينيين مع بعثة الحج، لتوعية وتعليم الحجاج السوريين، ونظّم العديد من اللّقاءات الحواريّة وَوُرَش العمل لبحث قضايا تتعلق بالثورة وتحدّياتها.