الكَسرة... أزمة المواد الزراعيّة تهدّد محاصيلها

أرض زراعية من الكسرة

حين تتحدّث عن الفرات فأنت تتحدّث عن الزراعة... عن المحاصيل الزراعية... عن سلّة الغذاء السوريّة من القمح والشعير وغيرها. هذه السلّة التي داخلها من التلف ما داخلها، حتى باتت في بعض المناطق تنذر بخوائها. فالمنطقة تعيش اليوم أزمةً كارثيةً تتعلق بالمواد الزراعيّة من أسمدةٍ وأدويةٍ وبذور.

"عين المدينة" جالت في العديد من المناطق الزراعية في دير الزور، وتوقفت في منطقة الكسرة ذات الأراضي الخصبة. ولمعرفة أهم أسباب هذه الأزمة التقينا بالمهندس الزراعيّ نادر العبد، ليحدّثنا عن أهمّ الشركات المنتجة للأدوية والبذار وغيرها قبل الثورة وبعدها، ورصد أزمتها الحالية، فقال: أشهر الشركات التي كانت تصرّف منتجاتها في منطقتنا هي المقدادي، ودبانة، وشركة سليمان الزراعية. وهناك العديد من الشركات الأخرى الأقلّ إنتاجاً، والتي تختصّ ببعض المواد المحلية. أما لجهة المواد فأغلبها كانت ذات جودةٍ مناسبةٍ بالمعايير العالمية، ولكن كانت هناك دائماً تجاوزاتٌ ومخالفاتٌ في بعض النقاط، وخاصةً تلك المتعلقة بالبيئة وصحّة الإنسان والحيوان، التي لم تكن أولويةً لدى الجهات المسؤولة سابقاً عن ملفّ الزراعة، في أحيانٍ كثيرة. وبالطبع استمرّت هذه الشركات بالعمل بعد اندلاع الثورة، وبقيت منتجاتها تصل إلى دير الزور وبالتالي إلى الكسرة. ولكنها استمرّت بصورةٍ متواضعةٍ بتأثير عدّة عوامل أولها وأهمّها الأوضاع الأمنية المتدهورة، والطرقات المقطّعة والخطرة في كثيرٍ من المناطق، ووجود حواجز للجيش الأسديّ تفرض الرشى والأتاوات على كل شحنةٍ تمرّ عبرها، وعدم توافر المواد الأساسية للعمل، وعدم إمكانية الاستيراد أو نقل المواد المستوردة إلى المعامل والمستودعات، بالإضافة إلى سوء وتردّي الحالة الأمنية في العديد من المناطق.

ندرة المواد... محاصيلٌ أقلّ جودة

وحول معاناة منطقة الكسرة تحديداً في هذا المجال التقينا بالسيد ناصر مخلف، ليتحدث عن الزراعة وتأثرها بهذه الأزمة بشكلٍ مباشر، فقال: يقسم موضوع الزراعة في منطقة الكسرة إلى قسمين؛ الأول مناطق تتبع للكسرة إدارياً، وهي بعيدةٌ عن سرير النهر. وهذه منها ما يعتمد على الريّ بالآبار، ومنها ما يعتمد على الريّ بمياه الأمطار. ولكن في القسمين يعدّ القمح هو المحصول الرئيسيّ ويليه الشعير. تعاني الأراضي التي تعتمد على مياه الأمطار من مشاكل كثيرةٍ بسبب الظروف الجويّة والجفاف، وقد أخذت حرّاقات النفط قسماً كبيراً من مساحتها. أما بالنسبة إلى الأراضي التي تعتمد في سقايتها على الآبار فقد تعطّل قسمٌ كبيرٌ منها بسبب غلاء المحروقات التي تستلزمها المحرّكات المستخدمة في استخراج المياه من الآبار، كما تأثرت بتحوّل قسمٍ لا يستهان به من أصحابها إلى العمل في مجال النفط.
والقســـــم الثاني هي الأراضـــــي المحاذية للنهر (سرير النهر). وهذه تعنى بشكلٍ أساسيٍّ بزراعـــــة القمح والقطن والشوندر السكريّ وبعض أنواع الخضار والفواكه. ولا تزال تزرع ولم تتغــــير المساحات فيها كثيراً، ولكنها تأثرت بسبب أزمة المواد الزراعية، مما ينـــذر بمــخاطر كبـــــيرةٍ
قد تهدــّد محاصيلنا. إذ نعانــــي من نقصٍ شديدٍ في الأســــمدة، وخصوصاً المعدنية منها، ومن نقص الكثير من مواد المكافحة. يضاف إلى ذلك فقدان الكثير من أنواع البذور الأساســــــية التي كانت تزرع في المنطقة، والتي تمّت الاستعاضة عنها ببذورٍ لم تثبت كفاءتها، فكان إنتاجها أقلّ جودة.
وحول حال المواد الأساسية وأزمة توافرها، التقينا بأحد أصحاب الصيدليات الزراعية في منطقة الكسرة، السيد (ت. ن)، الذي قال: معظم المواد الأساسية ليست متوافرةً كما كانت قبل الثــــــــورة، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ نتيجة الظرف الحاصل في البلد. ولكن أخذت مكانها مواد أقلّ مستوى، مهربةٌ بطرقٍ غير نظامية، والكثير منها مغشوش. وأثر هذا بالطبع بشكلٍ واضحٍ جداً على مردود تلك الأراضي وجــــودة هذه المحاصيل.

تبعـــد الكـــسرة 35 كم غــــرب دير الزور. وتبلــغ مسـاحة الأراضـي الصالحة للزراعة فيها 10.000 هكتار