الغزو الإيراني لديرالزور عبر البشر والحجر

عناصر من ميليشيا "القوة الجعفرية" قرب دير الزور

مازالت محافظة دير الزور أحد الأهداف التي تضع إيران نصب عينيها نشر المذهب الشيعي فيها، بسبب موقعها الاستراتيجي القريب من العراق، وغناها الديمغرافي والاقتصادي، في محاولة لكسر الطوق السني للامتداد العشائري، وما يُشكّله من ترابط اجتماعي بين غرب العراق وشرق سوريا، وتحاول في سبيل ذلك استخدام أدوات متنوعة لدفع الأهالي نحو التطبيع مع وجودها في المنطقة، باستخدام شخصيات اجتماعية وتكريس أخرى، أو إشغال الحيّز العام بالطابع العمراني الخاص بإيران مع تغييب الطابع المألوف، وكل ذلك عبر جمعيات ومنظمات وميليشيات تشتبك عضوياً مع أذرع إيران الخارجية.

بدأت إيران محاولاتها للتمدد خارج حدودها الجغرافية بعيد سيطرة (الثورة الإسلامية) عليها، واعتمدت على عدة عوامل لفرض سيطرتها، من أبرزها تصدير المذهب الشيعي الذي حملته للدول التي مدت أذرعها إليها، كما في العراق ولبنان واليمن، حيث اعتمدت على الشيعة العرب في التمدد داخل حدود الدول الثلاث. وعلى عكس تلك الدول كان وجود المذهب الشيعي ضعيفاً في سوريا، رغم وصول آل الأسد للحكم، وهم من المذهب العلوي، أحد فئات الشيعة بحسب فتوى موسى الصدر.

التحالف بين نظام الأسد ونظام الملالي في إيران أطلق يد إيران في المنطقة، وبدأت سيطرتها بالتسلل إلى جوانبه السياسية والاقتصادية، بالتوازي مع محاولات مكتومة وبسيطة لضمّ جماعات أهلية إلى المذهب الشيعي قيد الاستثمار اليوم، الأمر الذي كانت تُراهن عليه إيران في وقت مُبكر لضمان نفوذ وحاضنة اجتماعية لها، كما حاضنتها في لبنان والعراق.

بدأت المحاولات الأُولى لنشر المذهب في ديرالزور في ثمانينات القرن المنصرم، ثم التسعينات عن طريق بعض الجمعيات التي حاولت استقطاب أتباع عن طريق الترغيب بالمال والسلطة، وكان لجميل الأسد دور بارز من خلال جمعية الإمام المُرتضى التي كان يشرف عليها، حيث استطاع، ومن خلال المال، الوصول لبعض الشخصيات من أمثال عمر الحماد، وهو شخص مرتبط بنظام الأسد من أبناء بلدة حطلة، وبعد أن استطاع عمر تشييع قريبيه ياسين المعيوف وحسين الرجا شكّلا بذرة لما يمكن أن يكون قاعدة لنشر المذهب في ديرالزور، والتي اعتمدت على دفع الأموال والرواتب الشهرية للمُتشيعين من المُستشارية الإيرانية بدمشق وبعض الجمعيات الشيعية خاصة في الكويت.

 حين وصل العام 2000 كانت هذه الأرضية قد أتمّت إنشاء ثلاث حسينيّات في الريف القريب من مدينة الدير مع غربه (قرى الصعوة والحوايج وحطلة)، ورغم الرفض الشعبي لهذه الخطوة، إلا أنها وجدت مؤيدين لها بعضهم استغلّ فكرة أن بعض العشائر تعود في أصولها للحسين بن علي ولأئمّة الشيعة، خاصة عشيرة البكارة والتي سيكون لبعض أفرادها دور هام لاحقاً.

التشييع الحذر والمُخاتل قبل الثورة تحوّل إلى العلن عبر أكثر من آلية، لكن التغيير الدراماتيكي كان مع صاعدين من جيل الشباب اعتنقوا المذهب الشيعي، وهؤلاء معظمهم مؤيدون لنظام الأسد ومقاتلون في مليشياته. فبعد سيطرة الجيش الحر على المنطقة شكّلت دمشق مركز انطلاق لهم نحو لعب أدوار جديدة في محافظتهم، حيث عادوا مع المليشيات الإيرانية مطلع العام الحالي وهم يعملون على خدمة تلك المليشيات في سعيها لنشر المذهب عن طريق الترغيب وتوزيع المساعدات أو الترهيب والتهديد بالقتل والاعتقال.

كما عملت بعض الواجهات العشائرية على دعم نشر المذهب من خلال تشكيل قوى عسكرية على أساس مذهبي، كما فعل نواف راغب البشير أحد شيوخ قبيلة البكارة، والذي ساهم بتمدّد لواء الباقر، المدعوم إيرانياً، إلى دير الزور للقتال إلى جانب نظام الأسد والمليشيات الإيرانية.

استخدمت المليشيات المساجد التي حولتها إلى ما يشبه الحسينيات من أجل توزيع المساعدات للأهالي وشراء ذمم البعض، أو لممارسة طقوس المذهب الشيعي فيها واستخدامها للدعوة، كما حصل في المسجد العمري بديرالزور الذي تم تغيير اسمه لمسجد الرضوان، وبعض مساجد مدينة الميادين والبوكمال. كذلك عملت إيران على بناء حسينيّات جديدة، كما حصل في منطقة (عين علي) ذات الرمزية الدينية والتاريخية، والتي استغلتها المليشيات الإيرانية لإقامة حسينية على أنقاض المنارة إلى جانبها.

عمل نظام الأسد على استكمال حلقة التغيير من خلال إصدار تشريعات تُسهّل لإيران تنفيذ مخططاتها، كإصدار المرسوم رقم 10 والذي يحرم المواطنين خارج سوريا من حقهم في منازلهم في حال لم يُقدموا مايثبت ذلك، مُدركاً استحالة عودتهم في الظروف الراهنة، أما الأخطر من ذلك هو ما تقوم به المُستشارية الإيرانية بدمشق، عبر فروعها وعبر بعض المتواطئين معها وبعض المنتفعين، من افتتاح مكاتب عقارية في مدن ديرالزور والميادين والبوكمال الهدف منها تثبيت التغيير الجاري، من خلال شراء المنازل والأراضي وبأسعار خيالية تصل إلى مئات الآلاف من الليرات السورية للمتر الواحد.