الشرطة الحرّة في ريف حلب...
بين الحاجة والنجاح و«جسر العبور»؟

منذ بدأت عملية «درع الفرات» التي تقودها فصائل الجيش الحر المدعومة تركياً، في أيلول 2016، بالسيطرة على مدن وبلدات وقرى في ريف حلب من قبضة تنظيم الدولة، أخذت الحكومة التركية بتدريب فريق أمني ليتولى مسؤولية هذه المناطق المحررة، فكانت الشرطة الحرة التي تُعرف الآن باسم «مديرية الشرطة والأمنيات».

أسباب كثيرة دفعت إلى الاعتماد على الشرطة، بحسب عناصر يعملون فيها، منها أن فصائل الجيش الحر في حالة اشتباكٍ مستمر مع تنظيم الدولة و«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، وهي بالتالي غير قادرة على الإمساك بزمام الأمور الأمنية وحل نزاعات الأهالي، فضلاً عن غياب خبرتها في هذا الشأن، وانتشار الفساد بين عدد من عناصرها.

الشرطي محمد أحمد، الذي يتلقى دورة في مدينة مرسين التركية، قال لـ«عين المدينة» إنه تم اعتماد اسم «مديرية الشرطة والأمنيات» بدلاً من «الشرطة الحرة»، وتتبع لها مراكز الشرطة والجهاز الأمني. وأضاف أن مهام الجهاز الأمني، إضافة إلى العمل على الحد من الجرائم وحفظ النظام وتنظيم المرور، هي تولّي زمام العمل الأمني الذي كان مناطاً بالأجهزة الأمنية التابعة للفصائل والكتائب.

وأشار محمد إلى أن لجهاز الشرطة الجديد «أعداء داخل المنطقة وخارجها يعملون للحيلولة دون نجاحه». ويوضح أن قوات النظام، التي باتت قريبة، وقسد وداعش، ستعمل على عدم استقرار المنطقة المحررة، وكذلك «المنتفعون من الفوضى الأمنية السابقة»، كالمهربين والعصابات التي تسرق باسم الجيش الحر.

ويضيف محمد أنه نتيجة لذلك تم تشكيل جهازي «القوات الخاصة» و«الحراسة والدوريات» التابعين للشرطة الحرة. وأكّد أن الملتحقين بهذين الجهازين يحتاجون إلى دورات مكثفة خاصة مدتها 25 يوماً، يتعلم خلالها المتدرب مبادئ الدفاع عن النفس وبعض مهارات الرمي، لكن هذا، برأي محمد، «غير كافٍ لبناء رجل الأمن، مما يستدعي القيام بدورات إضافية». وتداركاً لقصر مدة الدورة واقتصارها على التدريبات الأساسية، قال محمد إنه سيتم الاعتماد على «العناصر المنشقة عن شرطة النظام ريثما يستوعب المنضمون حديثاً لهذا الجهاز مهامهم وطريقة القيام بها». لافتاً إلى أهمية الاستفادة، في الوضع الراهن، من عدد العناصر الكبير نسبياً والذين سُلحوا من قبل تركيا، ما أدى إلى انتشار أمني واسع.

وشرعت الشرطة الحرة في ريف حلب المحرر حديثاً في نشر تقارير شهرية عن نشاطاتها، فنشر مكتبها الإعلاميّ بياناً على فيسبوك يشير إلى تصديها لعدد من جرائم القتل والشروع بالقتل والسرقة والمشاجرات وجرائم أخرى خلال شباط الماضي، وصل عددها إلى 1375 جريمة.

ورغم هذه البداية الواعدة يشتكي بعض عناصر الجهاز من مشكلات سرعان ما طفت على السطح، أبرزها، على حد قولهم «منح رتب عالية لعدد كبير من العناصر بشكل لا يتناسب مع المعايير العسكرية، ما يعني تسليم زمام الأمور لمن لا خبرة له في المجال الأمني، وتهميش ضباط وعناصر الشرطة المنشقين، ما يؤدي إلى حالة من الفوضى والتلاعب بالشؤون الأمنية مستقبلاً». أحد العناصر العائدين من دورة في مدينة أضنة التركية، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لـ«عين المدينة»: «الذي يملك واسطة يُعيَّن مديراً، بينما يوضع البسطاء على الحواجز في مواجهة مفخخات داعش».

من ناحية أخرى أكد عناصر من الشرطة أن نجاح المشروع يرتبط بشكل أساسي باستمرار الدعم المالي التركي، حتى تتمكن قيادة الشرطة من الاعتماد على «موارد محلية» لدفع الرواتب. ويخشى مراقبون أن يكون الهدف من تشكيل هذا الجهاز وتجنيد آلاف العناصر في صفوفه هو استخدامهم كـ«جسر عبور» للنفوذ التركي داخل الأرض السورية، خصوصاً مع انتشار مقاطع في يوتيوب تظهر عناصر من هذا الجهاز يهتفون بحياة الرئيس التركي أردوغان أثناء تدريباتهم. وتسعى تركيا إلى تدريب خمسة آلاف شرطي، وفق ما ذكرت صحيفة «يني شفق» المقربة من الحكومة التركية.

وذكر مصدر محلي أنه، مع عودة عناصر الشرطة من دوراتهم التدريبية إلى اعزاز مطلع آذار الماضي، دخلت آليات ومدرعات محملة بعناصر من الجيش التركي، وهو ما يعني، بحسب المصدر، أن «فصائل الجيش الحر والشرطة أصبحت بلا قيمة، فالمهيمن على المنطقة والفارض شروطه وأوامره هو الجيش التركي». ويؤكد هذا المصدر أنه لا بد من نشر جهاز أمني في المناطق المسيطَر عليها مؤخراً شمالي سوريا، تكون مهمته وضع حد للفوضى، وإبعاد الفصائل العسكرية عن التدخل في شؤون المدنيين، لكن «هذا يجب ألا يكون من خلال تحكم تركيا في الأمور الداخلية وفرض سياسات تخدم مصالحها فقط، لا ولن يتقبلها السوريون، وإن اختلفت مواقفهم من السياسة التركية على أراضيهم».