الدكتورة هدية عباس وتاريخها في الوقوف

أخيراً وجدت هدية عباس آغا ما تقوله بعيداً عن مونولوج الفساد الذي ظلت تردده منذ أكثر من ثلاثين سنة، حين كانت في اتحاد الطلبة، تشق طريقها كبعثية متنمرة في مدينتها دير الزور، يقف وراءها ضابط المخابرات الشهير محمد منصورة؛ فهناك اليوم: «سنحتفل قريباً مع أشقائنا الإيرانيين بالنصر على الإرهاب»، و«نظام سعود انطلق بالهجمة على سوريا»، و«ترامب افتعل الهجمة الكيماوية»… و«جمهورية القرم هي جزء لا يتجزأ من روسيا».

لم تتخل عباس عن موضوعها الأثير منذ أن تزوجت النضال، لكنها ضمت إليه الآن أفكاراً أكثر جدة وثورية، «كتعديل بنية مجلس الشعب ونظامه الداخلي وتغيير هيكلية العمل فيه وآلياته ومنحه المرونة الكافية لتطوير عمله»، بالإضافة إلى «الدبلوماسية البرلمانية» التي تنشط فيها بفاعلية بالغة بين روسيا وإيران، اللتين لا تتركانها تتنظر طويلاً حتى تبادلاها الزيارة.

تبدو هذه العناوين براقة ومغرية ومريحة أكثر من مكافحة الفساد ومناطحة المسؤولين في مدينتها، ما جرّها يوماً، كما أشيع في الماضي، لتقف موبَّخَة من حافظ الأسد، حين لم يدْعها إلى الجلوس عندما طلبت مقابلته إثر خلافها مع نواف الفارس الذي كان يومها رئيساً لفرع الحزب، حيث قضت عباس آخر أيامها. لتظل واقفة طيلة حكم بشار الأسد، الذي أجلس غريمتها شهيناز فاكوش عضواً في القيادة القطرية، رغم أن هدية شككت علناً في شهادة الأدب العربي التي تحملها فاكوش. كما ظلت واقفة في بداية الثورة، رغم أنها استطاعت أن تساعد بعض أبناء بلدها المحتجزين في أفرع الأمن، وتخلع على بعضهم الأطقم الرسمية والأحذية اللماعة لمقابلة بشار، حين كانت في لجنة المصالحة. واستمرت في الوقوف حين اختارت مساكن الضباط قرب المطار، ولم تترك دير الزور بعد انتشار الجيش الحر، وحاولت أن تقف في وجه فساد ضباط الجيش والأمن في المدينة.

في ذلك الوقوف الطويل استطاعت المهندسة الزراعية أن تلتقط أنفاسها مرتين؛ الأولى منذ 2003 وحتى 2007 بعضوية مجلس الشعب، فاطمأنت حينها إلى مستقبل أخيها غازي الذي تحول من سائق لسيارتها إلى مقاول، ونالت شهادة الدكتوراه في «التربة واستصلاح الأراضي» بدرجة 87٪‏ عن رسالة كتبها بدلاً عنها الدكتور عباس حزوري، بعد أن نفذ تجاربها وأرسل النتائج العاملون في مزرعة 7 نيسان في قرية البوليل.

والمرة الثانية حين أصبحت أحد حكام دير الزور، منذ 2013، فاطمأنت على طريق جيدة للآثار والبشر الهاربين من الحصار، بالتعاون مع اللواء محمد خضور، وبالطبع مع أخيها أحمد معاون مدير المؤسسة السورية للطيران للشؤون المالية.

جلست هدية عباس في النهاية رئيسة لمجلس الشعب، لكن على كرسي لم يكن موجوداً إلا في خيال الطامحين إليه، وستفتح ملفات الفساد بداية كل جلسة، دون تهيب، لكن مع علمها المسبق أنها لن تفعل شيئاً إلا إغلاقها في ختام الجلسة.