- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
الاحتضان في إدلب.. وسيلة آمنة لرعاية الأيتام دون تنظيم
"بحبا لأمي سميرة" هكذا عبرت الطفلة جنى الثلجي (6 سنوات) يتيمة الأبوين، عن حبها للمرأة التي احتضنتها وتكفلت بتربيتها بعد وفاة والديها بالقصف على مدينتهم سراقب أواخر عام 2019.
تقول سميرة الروماني (33 عاماً) وهي بمثابة والدة الطفلة جنى، أنها عاينت الحادثة التي راح ضحيتها العشرات بتاريخ 21 كانون الأول 2019، ومن بينهم والدي جنى.
وعن تلك التفاصيل تضيف سميرة "كانت لحظات تكتم الأنفاس، الغبار يمنع الرؤية والدماء والدمار تملأ المكان. لاحظت بكاء الطفلة الشديد أثناء الحادثة وكأنها تبحث عن أحد يساعدها في الخروج، أخذت بيدها وشعرت أنها ابنتي منذ تلك اللحظة، وابتعدنا قليلاً ريثما تم وصول فرق الدفاع المدني وتفقدت المكان، انتشلت جثث الضحايا وأسعفت المصابين إلى المستشفى".
حين تبين لسميرة وفاة والدي جنى وبقائها وحيدة بلا أهل أو أسرة، قررت إبقائها معها بعد وضع عنوان سكنها لدى الجهات الأمنية في المنطقة، ريثما يظهر لها أحد الأقرباء فتسلمها له.
غير أن عدم ظهور أي قريب لجنى التي كانت نازحة مع والديها من الغوطة الشرقية، دفع سميرة للاحتفاظ بالطفلة التي تعلقت بها، وقررت احتضانها وتربيتها مع أبنائها الثلاثة.
"ليس من عداد المستحيلات أن يحتضن المرء طفلاً يتيماً، فقد اعتبرت عملي الإنساني هذا بمثابة صدقة جارية عني وعن أهل بيتي من جهة، وحماية لطفلة بريئة من اليتم والوحدة من جهة أخرى، فالطفلة صغيرة وليس لها في هذه الحياة غير الله".
تحاول سميرة أن تتعامل مع الطفلة وكأنها ابنتها الحقيقة، ولا تفرق في تربيتها بينها وبين أولادها، وهي عازمة على إدخالها المدرسة في الصف الأول الابتدائي هذا العام لتتابع معها رحلتها الدراسية حتى النهاية.
ومع ازدياد أعداد الأطفال الأيتام الذين شرّدتهم الحرب في إدلب وشمال غرب سوريا، لجأت العديد من العوائل لاحتضان أطفال فقدوا ذويهم، وأخذت على عاتقها تربيتهم عبر كفالتهم والاعتناء بهم ضمن أجواء أسرية، تخفف عنهم تبعات الأوضاع النفسية والاجتماعية الناجمة عن اليتم والتشرد.
وليس بالضرورة احتضان الأطفال من قبل عوائل ليس لديها أطفال، وإنما تعددت الحالات التي لجأت فيها عوائل في إدلب لاحتضان أطفال أيتام وتربيتهم مع أبنائهم، لا سيما الأقارب كالعم والخال والعمة والخالة وبيت الجد.
احتضت الستينية مريم الرحمون أبناء ابنتها الخمسة بعد وفاة والدتهم ووالدهم بقصف الطائرات الحربية على بلدتهم جبالة بريف إدلب الجنوبي. هي عازمة على عدم التخلي عنهم رغم ظروف الفقر والنزوح، بعد أن رمت بها سنوات الحرب في غياهب المخيمات التي تخلو من أدنى مقومات الحياة، بعد أن كانت تملك الكثير من الأراضي الزراعية والأرزاق في قريتها التي هجرت منها مرغمة.
تقول السيدة مريم "لمين بدي اترك هالأطفال، أشو ذنبهن أنهن صارو وحدين بهالحياة الصعبة!"، في إشارة لعدم نيتها بالخلي عنهم مهما كانت الظروف والتحديات.
وتؤكد أن وجودهم بحياتها زادها جمالاً وألفة، إذ كسروا وحدتها بعد وفاة زوجها وتهجير أبنائها، ويساعدونها بكافة الأعمال المنزلية وشراء الحاجيات، خاصة وأنها غير قادرة على الخروج بسبب آلام الديسك والمفاصل.
وتتابع "نعيش على المعونة الغذائية الشهرية التي توزعها الجمعيات والمنظمات هنا في مخيمات تل الكرامة شمال إدلب، عدا عن بعض المساعدات من الأيادي البيضاء من هنا وهناك" تصمت قليلاً لتضيف "الحمدلله ساترها ربك، والله ما خلق حدا ونسيه".
المحامي عبد الرزاق الإسماعيل نفى أن تكون هنالك جهات حكومية تتولى أمر المتابعة للأطفال الأيتام الفاقدي أهاليهم، مشيراً إلى أن احتضان الأطفال من وجهة نظر قانونية وشرعية تكون للأم بداية، وفي حال غياب الأم لوالدة الأم ثم للأب ثم لوالدة الأب. أما فيما يتعلق بالأطفال الأيتام المحتضنين من جمعيات خيرية أو أقرباء أو غرباء فهؤلاء ليس من أي جهة حكومية تتابعهم.
من جهتها تقول براءة الحسون وهي مرشدة نفسية واجتماعية عاملة في إحدى دور الأيتام ومقيمة في مدينة سرمدا، أن ظروف الحرب الدائرة تركت أعداداً كبيرة من الأطفال الأيتام على حافة الضياع والانحراف والتشرد، الذين باتوا فئة مهمشة ومنسية في ظل غياب الحلول الأفضل والدائمة لهم.
وأوضحت أن زيادة انتشار ظاهرة العمالة والتسول والتشرد بين الأطفال هي من انعكاسات هذه القضية التي تعرض فيها عدد كبير من الأطفال لليتم في أعمار مبكرة وعدم وجود جهة رسمية تضمن لهؤلاء الأطفال العيش الكريم وأدنى متطلبات الحياة.
وأشارت إلى أن "فكرة الاحتضان تُعدّ وسيلة اجتماعية مُثلى للحفاظ على مستقبل هؤلاء الأطفال الأيتام الذين فقدوا ذويهم، خاصة أنها تمكّن الطفل من العيش في بيئة أُسرية طبيعية تحقق له العيش في بيئة آمنة ومستقرة" على حد تعبيرها.
وعن آلية الاحتضان شرحت الحسون أن الأمر يبدأ باصطحاب الأطفال للجهات الأمنية ومراكز الشرطة أو مراكز الدفاع المدني، ويتم الإبلاغ والتعميم عن تواجد الطفل هناك ريثما يظهر أحد أقرباء الطفل الذي يثبت ذلك عن طريق جواز سفر أو هوية شخصية أو شهادة شهود فيتم تسليمه الطفل، وفي حال عدم ظهور هذا القريب يتم تسليم الطفل لإحدى دور الأيتام في المنطقة، والتي بدورها تمنح حق الاحتضان لمن يرغب بذلك مقابل التأكد من أهليته العقلية والنفسية والمادية، ووجود بيئة أسرية جيدة لحياة الطفل برفقتهم.
وعن الاحتضان من وجهة نظر شرعية يقول الشرعي وإمام الجامع رائد البربور، أن "الإسلام حث على كفالة اليتيم وتربيته والإحسان إليه، حتى جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كافل اليتيم معه في الجنة، ولذا فالاحتضان جائز طالما يتم نسب الطفل لأبيه الحقيقي وليس لاسم المحتضن".
مشيراً إلى أن الحرب السورية خلفت مئات الآلاف من الأطفال الذين لا عائل لهم ولا بيت، الذين أصبحوا أرقاماً في إحدى دور الأيتام التي قلما تتواجد في المنطقة، أو مشردين في الشوارع أو بين بيوت أقربائهم الذين لا يرغبون بوجودهم بينهم في معظم الأحيان بسبب سوء أوضاعهم المادية.
ووفق ما صرح مدير فريق منسقو استجابة سوريا محمد حلاج لعين المدينة، بلغ عدد الأطفال الأيتام في مناطق شمال غرب سوريا (203.743) طفلاً دون سن الثامنة عشرة في أحدث إحصائية أجراها الفريق، فيما وصل عدد النساء الأرامل دون مُعيل إلى (47.771) امرأة.