الأعشاب الطبية... هل تنافس العطارة الطبّ الحديث؟

خلال ثلاث سنواتٍ من الثورة، لن تبذل جهداً كبيراً في إحصاء ما تغيّر في دير الزور عموماً. فعلائم التغيّر تلوح لك مع كلّ مظهرٍ من مظاهر الحياة في مدن المحافظة وريفها، بعضها تمرّ عليه مرور الكرام وبعضها يسترعي الانتباه. ولعلّ من أبرز تلك المظاهر حالة الإقبال الشديد التي تستوقفك أمام محلات العطارة وأماكن بيع الأعشاب الطبية.

"عين المدينة" تابعت هذه الظاهرة محاولةً رصدها وتبيان الأسباب التي أدت إلى انتشارها على هذه الصورة. ولكن، لا بدّ من التذكير قبل ذلك أن استخدام الأعشاب بقصد العلاج شائعٌ في دير الزور قبل الثورة، ولكن على نطاقٍ ضيقٍ جداً، ولا يتمتع بثقةٍ تذكر بين العامّة إلا في حالاتٍ نادرة. وكان التداوي بالأعشاب يستخدم أساساً في إحدى حالتين؛ إما الأشخاص الذين يلجؤون إلى بعض الأعشاب بسبب نجاعتها في علاج أمراضٍ بسيطةٍ كتلك الناجمة عن البرد، أو في حالاتٍ مرضيةٍ يعجز الأطباء عن مداواتها فيتمّ اللجوء إلى التداوي بالأعشاب هنا على مبدأ قشة الغريق. ولكن، بعد الثورة أصبح هذا النوع من العلاج يشهد إقبالاً كبيراً بين الناس. أحمد منذر الصالح، أحد العطارين في مدينة البوكمال، تحدّث عن التداوي بالأعشاب، وعن أبرز الأمراض التي تجعل الناس تلجأ إلى العطارين، فقال: العطارة، كمهنة، لم تتوقف أبداً. وظلّ لجوء الناس إلى التداوي بها موجوداً، ولكن على نطاقٍ ضيقٍ جداً. إلا أن الذي تغيّر في الأشهر الأخيرة هو الإقبال الواسع عليها لعدّة أسباب، أولها وأهمها فقدان الثقة بالأطباء عموماً، وبالأخصّ بعد مغادرة عددٍ كبيرٍ جداً منهم إلى خارج القطر، وقلةٌ ممن بقوا هم من الأطباء الماهرين الذين يوثق بهم، عدا عن الأخطاء الطبية القاتلة التي تسببت بكوارث صحية، مما جعل الناس تعود إلى التداوي بالأعشاب التي - وعلى حدّ تعبير الكثيرين - "إن لم تنفع لن تضرّ".
وقد ازداد الإقبـــال في الســـــنتين الأخيرتين على الأعشاب في علاج الأمراض التنفســــــية، وبالأخصّ أمـــــراض الربـــو والتحسّس القصبيّ، التي انتشرت بشكلٍ واسعٍ جداً جداً، وأدّت إلى امتلاء عيادات الأمراض الصدرية بالمرضى. ولكن، في ظلّ التدهور الحاصل في البيئة، ونسبة التلوّث المرتفعة، فإن العلاج بالأدوية الكيميائية لا يجدي في أحيانٍ كثيرةٍ مع استمرار العامل المسبّب للمرض، وهو التلوّث. وحين لا يجد المريض أيّ شكلٍ من أشكال التحسّن لا بدّ وأن يلجأ إلى علاجٍ آخر على أمل أن ينقذه، فانتشرت بين الناس العديد من الوصفات، وبدأتَ تجد أشخاصاً يتصدّرون هذا المشهد بصفتهم "خبراء" في هذا المجال. هذا ما أفادتنا به السيدة سمر الجاسم من الميادين، وأضافت: العديد من الناس يلجؤون إلى أطباء في محافظاتٍ أخرى أو حتى خارج القطر ممن ذاعت شهرتهم في هذا المجال، وخاصةً في مدينة حمص وفي دولة الأردن. يتمّ التواصل مع هذا "الخبير" عن طريق الهاتف، وشرح الأعراض له، فيتم إعطاء الوصفة على الهاتف وإرسالها بعد تحويل ثمن الأعشاب، الذي قد يصل إلى مبالغ كبيرةٍ جداً. وقسمٌ كبيرٌ من هذه الوصفات بلا فائدة، وقسمٌ آخر منها أيضاً يعتمد على العلاج بقوة الاعتقاد. كما ينتشر اللجوء إلى الأعشاب في حالات اليأس من العلاج، مثل حالات مرض السرطان، كسرطان المعدة مثلاً، وخاصةً في الحالات المتقدّمة منه، حين يعلن الأطباء عجزهم عن إنقاذ المصاب به.
السيد عدنان رافع، وهو يعاني من مرض الحساسية، تحدّث عن تجربته مع هذا النوع من العلاج بالقول: معظم الأدوية التي يقدّمها العطارون لمثل حالتي تتمحور حول الحبة السوداء والزعتر البرّيّ والبصل والفجل وشقائق النعمان. عنّي، أنا أشعر بتحسنٍ كبيرٍ الآن، ولديّ ثقةٌ بهذه الوصفات أكثر من الأدوية الأخرى التي استمرّت معاناتي معها قرابة سنتين. ولكن هذا الكلام لا ينطبق على جميع الحالات، فهناك أشخاصٌ آخرون لم ينفع معهم هذا العلاج.