أسبقيّة الشريعة الإسلاميّة
على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، مخلفةً دماراً كارثياً للبشر والحجر، في أكثر الصراعات العسكرية دموية على مر التاريخ؛ توصلت أمم الأرض إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يفرض على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة احترامه، ويحدد حقوق الأفراد الأساسية الملزمة، مؤلفاً من ثلاثين مادة هي نتاج الأعراف الإنسانية والاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية. وأشرف على صياغته كبار الشخصيات والمختصين من مختلف دول العالم، ليصدر في ست لغات فقط، من بينها العربية. 

اقتباساتٌ من الدين الإسـلامي الحنيف

في انتقالٍ من عنوانٍ إلى آخر في هذا الإعلان، يظهر بوضوحٍ التأثير الكبير للدين الإسلامي الحنيف على موادّه، إلى درجةٍ تبدو فيها وكأنها مقتبسةٌ من التعاليم الإسلاميّة، قبل نحو ألفٍ وأربعمئةٍ سنةٍ من إصدار هذا الإعلان، في العاشر من كانون الأول عام 1948، عندما أقرّه جميع أعضاء الأمم المتحدة، باستثناء الاتحاد السوفييتي، ودول أخرى امتنعت عن التصويت.
المادة الأولى
يولد جمــــــــــيع النـــاس أحــرار متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم التعامل بين بعضهم البعض بروح الإخاء.
فكم استغرقت أمم الأرض الأخرى لتصل إلى معنى مقولة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً}، مخاطباً عمرو بن العاص الذي تغاضى عن تكبّر ولده وتعاليه إثر ضربه لغلامٍ قبطيٍ في مصر، بعد أن تغلب القبطي عليه في مسابقة رياضية.
المادة الثانية
لكل إنسانٍ حق التمتع بكافة الحـــــــــقوق والحـــــــــــريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأيٍ آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضعٍ آخر، دون أي تفرقةٍ بين الرجال والنساء.
وتبــــــــــدو هذه الماـــــدة شـــــرحاً بسيطاً لجزءٍ من الخطبة العصماء التي ألقاها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أثناء حجة الوداع بعد فتح مكة المبين عند جبل عرفات، منادياً بالمساواة بين البشر وعدم التمييز بينهم، حين قال: «أيها الناس! اسمعوا قولي واعقلوه: ألا إن ربكم واحدٌ، وإن أباكم واحدٌ. كلكم لآدم وآدم من تراب. أكرمكم عند الله أتقاكم.
إن الله عليمٌ خبير. ألا لا فضل لعربيٍ على عجميٍ ولا لعجميٍ على عربيٍ ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فليبلّغ الشاهد منكم الغائب».
المادة الثالثة
لكل فردٍ الحق في الحياة والحرية وســــــلامة شخصه.
تجمع هذه المادة ثلاثة حقوق سبق للإســــــــلام تفصيلها وشرحها في عددٍ كـبيرٍ من الآيات القرآنيــة الكريمـــة أو الأحــــــاديث الشريفة، ومنها:

في حق الحياة:

قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ} [الأنعام:151].
وفي الحديث النبوي الشريف: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور» أخرجه البخاري ومسلم.
وفي حق الحرية: لا يعني إقرار الإسلام للحرية أنه أطلقها من كل قيدٍ وضابط، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى. فالمقصود بها أن يكون الإنسان قادراً على التصرف في شؤون نفسه، وفي كل ما يتعلق بذاته، آمناً من الاعتداء عليه، في نفسه وعرضه وماله، على ألا يكون في تصرفه عدوانٌ على غيره.
قال تعالى: {لا إكرَاهَ في الدّين، قد تبيّنَ الرُشدُ من الغيّ} [البقرة:256].

وفي حق الســـــلامة الشــــخصية:

حق السلامة الشخصية حقٌ مقدسٌ ومحترمٌ في الإسلام، فلا يجوز ترويع أو تخويف أو إهانة أو ضرب أو تعذيب أو الطعن في عرض أي إنسانٍ، مسلمٍ أو غير مسلم. ففي حديثٍ طويلٍ رواه الطبراني أن يهودياً كان قد أقرض رسول الله مالاً فجاء إليه يطالبه بالسداد، وأغلظ له في الكلام، وأمسك الرسول الكريم من قميصه وردائه. فما كان من عمر بن الخطاب إلا أن تدخل وهدّد اليهودي بضرب عنقه، فقال سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، لعمر: «... اذهب به يا عمر فأعطِه وزِد له عشرين صاعاً من تمرٍ مكان ما رُعته».