أثمانٌ بخسةٌ لكنوز الفسيفساء السورية جرّافات اللصوص تحطّم لوحاتٍ جداريةً وأرضية

عاش فن الفسيفساء أزهى أيامه خلال العصرين اليونانيّ والرومانيّ، في حوض البحر الأبيض المتوسّط، ولا سيّما لتزيين الكنائس. ثم لقي اهتماماً خاصّاً في حقب ازدهار الحضارة الإسلامية، عندما اعتنى الخلفاء والأمراء بالعناصر الجمالية للجوامع والقصور. وفي سورية عثر الباحثون على مجموعات فسيفساءٍ هامةٍ في حمص وتدمر وأفاميا وشهبا ومناطق أخرى. ولهذه المجموعات أهميةٌ تاريخيةٌ كبيرة، لانتسابها إلى مدارس فنية مختلفة، وعنايتها بتصوير موضوعاتٍ متعددة، أسطوريةٍ وإنسانية.

أصــاب لوحات الفسيـفساء ما أصاب غيرها من الآثار السورية من خراب. ولم يصدر بعدُ أيّ تقريرٍ علميٍّ دقيق يجمل الأضرار التي لحقت بهذه الكنوز المنتشرة في كثيرٍ من مواقع الآثار السورية. وبحسب متابعاتٍ جزئيةٍ يبدو أن عدد اللوحات الناجية من السرقة والتخريب في المناطق المحرّرة عددٌ قليل. وليس الحال أفضل في مناطق سيطرة النظام، فمن مدينة أفاميا الأثرية وحدها تم اقتلاع عشرات اللوحات، بالتواطؤ والشراكة مع ضباطٍ في جيش الأسد.
ويؤكد مهتمّون محليون بالآثار أن مواقع كاملةً تخلو اليوم من أية لوحة فسيفساء، مثل موقع "سورة" المجاور لسدّ البعث في ريف الرقة، والذي طالته يد التخريب قبل سنواتٍ من الثورة، ثم كان الاعتداء الأكبر عليه بعدها. ولا توجد أيّة أرقامٍ تقديريةٍ حول عدد اللوحات المنهوبة، وخاصةً في حالة اللوحات غير المكتشفة أو غير المسجّلة، في التلال والمواقع التي لم تجر فيها عمليات تنقيبٍ سابقة. ولكن يمكن القول إن الجزء الأكبر من هذه اللوحات قد خرّبت في مواقعها، أثناء عمليات الحـــفر العشـــوائية التي تحدث أحياناً باستخدام المعدّات والآليات الثقيلة التي تحطّم الفسيفساء المرسومة على الأرضيات والجدران، وأثناء القلع أيضاً، نظراً لما تحتاجه هذه العملية من خبرةٍ ومهارةٍ يفتقر إليها معظم لصوص الآثار، وخاصةً الجدد منهم.

قصة لوحةٍ بيزنطية

 بحسب معلوماتٍ خاصّةٍ اطّلعت عليها "عين المدينة"، تُعرض اللوحة الظاهرة في الصورة المرفقة للبيع في سوق تجارة الآثار السورية. وبحسب المعلومات اقتُلعت هذه اللوحة، المصنوعة من الزجاج والتي تعود إلى الحقبة البيزنطية وبأبعاد (150x80 سم)، من موقعٍ قريبٍ من منبج بريف حلب ثم نقلت إلى دير الزور، على خلاف عادة طريق الآثار السورية المهرّبة، التي تكون المناطق الشمالية محطّتها الأخيرة قبل دخولها الأراضي التركية. غير أن التفسير المنطقيّ لهذه المخالفة -بحسب خبيرٍ بعالم الآثار وتهريبها– هو أن شخصاً ما من تنظيم "الدولة الإسلامية"، من محافظة دير الزور، علم أثناء وجوده في ريف حلب بأمر اللوحة فكان السبّاق إلى اقتلاعها، بعد أن دفع الخمس لأمرائه في التنظيم -الضريبة التي تحددها قوانين "الدولة" المتعلقة باللقى الأثرية- ثم نقلها إلى قريته ليعرضها للبيع هناك في سوق الآثار المهرّبة. يطلب المستولي الحاليّ مبلغ 70 ألف دولارٍ ثمناً لهذه اللوحة "في مكانها". وهي صفقةٌ رابحةٌ –بحسب الخبير- في حال نجحت عملية نقلها وتهريبها إلى تركيا، لتباع من جديدٍ بمبلغٍ لا يقلّ عن 200 ألف دولارٍ أمريكيّ.

كيف تقلع لوحة فسيفساء؟

يفضّل تجار اللوحات أن يعاينوا بضاعتهم في الموقع على جدران وأرضيات الأبنية الأثرية، تجنباً لعمليات الغشّ والتزييف المتزايدة في اللوحات المعروضة في السوق. وحرصاً على سلامة اللوحات من الضرر أثناء عمليات القلع يفضّل الكثيرون أن يقوموا باقتلاع اللوحات بأنفسهم. ويمكن تلخيص عملية قلع الفسيفساء التي تنفّذ في الموقع بالخطوات التالية:
- تُطلى اللوحة بطبقةٍ من مادّة لاصقةٍ -الغراء- ثم تُلصق بلوحٍ من الشاش الأبيض.
- بعد جفاف المادة اللاصقة تبدأ عملية اللف ابتداءً من الحافة بما يشبه لفّ السجاد.
- تُحضر طبقةٌ أخرى من الشاش والمادة اللاصقة ثم تبسط اللوحة عليها.
- تُزال الطبقة الأولى من الشاش والغراء باستعمال مادةٍ كيماويةٍ خاصّة، ليظهر وجه اللوحة ملتصقةً ومحمولةً على طبقة الشاش والغراء الثانية، ثم يعاد لفّها من جديدٍ قبل عملية النقل.

ملاحظة من هيئة التحرير: لدى عرض الصورة المرفقة على الخبير الآثاري السوريّ د. شيخموس علي قال إن هذه اللوحة مزوّرة. بدلالة ألوانها البرّاقة الجديدة، بالإضافة إلى القسم الزخرفيّ لأطراف اللوحة، الذي تضمّن تزييناتٍ نباتيةً وغيرها. فضلاً عن وجوه الاشخاص وعدم تناسب حجومها مقارنةً مع جذوع الأجساد.