- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
«غضب الفرات»مع نهاية الجزء المريح من معركةٍ طويلة
مساء الخامس من هذا الشهر، أعلنت ما تعرف بـ«قوات سوريا الديمقراطية» عمليةً عسكريةً ضد داعش، أسمتها «غضب الفرات»، بهدف انتزاع الرقة من سيطرة التنظيم، انطلاقاً من مواقعها على جبهتي بلدة سلوك وقرية عين عيسى في الريف الشماليّ للمدينة.
خلال المرحلة الأولى من «غضب الفرات»، والتي انتهت قبل أيام، تراجعت داعش مسافة (15) كم جنوباً عن مواقعها السابقة، لتقترب بذلك خطوط التماس بين المتحاربين إلى بُعد (35) كم تقريباً عن مدينة الرقة. وبالنظر إلى الأرض شبه الصحراوية، وطبيعة العمران منخفض الكثافة في القرى الصغيرة على هذه الأرض، تبدو خسارة داعش في هذه المرحلة من «غضب الفرات» خسارةً غير حاسمةٍ في المراحل اللاحقة. فبالرغم من العدد الكبير للقرى المنتزعة من التنظيم -30 قرية- إلا أنها تخلو من مواقع حضريةٍ ذات قيمةٍ عسكريةٍ أو رمزية. كما أن داعش، بإدراكها صعوبة الدفاع عن هذه القرى المتناثرة على مساحاتٍ شاسعةٍ ومنبسطةٍ في مواجهة الغارات المكثفة لطائرات التحالف الدوليّ المساند لـ«سوريا الديمقراطية»، آثرت الانسحاب دون مقاومةٍ تذكر، ولولا الغارات لانخفض عدد قتلى داعش إلى حدٍّ كبير. وعلى الطرف الآخر، وحسب ما أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية»، جرح أربعةٌ من عناصرها فقط، ولم يسقط في صفوفها أيّ قتيل، مما يكشف نوع المعارك التي خاضتها، إذ كان الهجوم أشبه بعملية استلامٍ على الأرض لما تقدمه طائرات التحالف من السماء. وعلى هذا تكمن الخسارة الحقيقية للتنظيم في الصعوبة المضافة أمام مقاتليه لتنفيذ عمليات تسللٍ وتوغلٍ خاطفةٍ في الخطوط الخلفية لعدوّه، وفي منح هذا العدو مادةً هامةً في الدعاية ضدّه، تترك آثاراً نفسية سيئة في صفوف المنتسبين إليه.
تختلف معطيات المراحل اللاحقة من «غضب الفرات» عن المرحلة الأولى منها. وقد بدأ الفريقان التحضير للأيام والأسابيع المقبلة، فرفعت داعش من وتيرة العمل في تحضير خطوط دفاعاتها شمال المدينة، وتحضير المزيد من العبوات لأعمال التفخيخ اللاحق، ويبدو أنها ستزيد من اعتمادها على المجسمات المصنوعة من الخشب والخردة على شكل مدرعاتٍ لخداع طياري التحالف، وبدأت مجموعات المؤازرة القادمة من «ولاية الخير»/دير الزور المجاورة بالوصول إلى الرقة لتحقيق أوسع هامشٍ عدديٍّ احتياطيٍّ وعاملٍ مباشرةً في المعارك، وصولاً إلى (7000-5000) مقاتل، مع قابلية الزيادة حسب مجريات معركة التنظيم في مواجهة الجيش الحرّ في مدينة الباب بريف حلب. وكثفت داعش، داخل الرقة وفي أريافها الغربية والشرقية، من حملاتها الدعوية التحريضية الموجهة إلى الأهالي، بغاية تجنيد المزيد من أبنائهم الشبان والمراهقين والأطفال، مستغلةً مخاوفهم المحقة من الأهداف والنوايا الحقيقية للمهاجمين. وتتعزّز هذه الدعاوى بتجارب التهجير والتمييز العنصري والاعتقال في أوساط السكان العرب في بلدات سلوك وتل أبيض وعشرات القرى التي وقعت سابقاً تحت سيطرة حزب pyd الكرديّ. ويؤيد دعاوى داعش أيضاً ارتفاع عدد الضحايا المدنيين نتيجة الغارات التي تشنها طائرات التحالف الدوليّ، لا سيما مع مجازر جماعيةٍ عائليةٍ مثلما حدث في قرية الهيشة قبل أيام.
أما «قوات سوريا الديمقراطية»، وهو الاسم الملطّف الذي اتخذه حزب الاتحاد الديمقراطيّ pyd الذراع السوري لحزب العمال الكردستانيّ التركيّ pkk، كغطاءٍ متعدد الأعراق لإخفاء نزعاته التوسعية؛ فحاولت ضمّ المزيد من العرب -مجموعاتٍ وأفراداً- لتأكيد التعددية المزعومة في صفوفها أمام حلفائها الدوليين. وتألفت القوة المشاركة في المرحلة الأولى من «غضب الفرات» من مقاتلي ومقاتلات pyd بشكلٍ رئيسيّ، أضيف إليهم عند إعلان العملية كلٌّ من ألوية صقور الرقة، وشهداء الرقة، وأحرار الرقة، وثوار تل أبيض، وكتيبة شهداء حمام التركمان، والمجلس العسكري السرياني، وهي تشكيلاتٌ وهميةٌ أو شبه وهمية. واستُبعد لواء ثوار الرقة نتيجة رفضه تسلم pyd قيادة المعركة وشكوكه في نواياه المستقبلية. وبعد انتهاء المرحلة الأولى أعلنت قوات الصناديد التابعة لحميدي دهام الهادي، شيخ عشيرة شمّر، انضمامها إلى غرفة عمليات «غضب الفرات».
ستكون معركة الرقة، ولا سيما في مراحلها الأخيرة، طويلةً وشاقة على القوات المهاجمة. إذ سيبدي التنظيم مقاومةً شرسةً في دفاعه عن عاصمته السورية، ولن يكون طيران التحالف بالفعالية ذاتها عند وصول المعارك إلى أطراف المدينة وفي داخلها، مما قد يعرّض pyd إلى خسائر فادحةٍ جداً تفوق ما تكبّده في مدينة منبج بكثير.