- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
يعقوب العمّار:سنواتٌ من النضال المدنيّ
سوف نبقى هنا.. كي يزول الألم سوف نحيا هنا.. سوف يحلو النغم
موطني موطنـي، موطني ذا الإبا موطنـي موطني، موطنـــــي يـا أنا
لطالما ردد كلمات هذه الأنشودة على لسانه، ولطالما كانت شعاراً له لإكمال مسيرة نيل الحرية والكرامة التي ناضل من أجلها وكانت حلمه وحلم الشعب السوريّ. سنينٌ مليئةٌ بالصعوبات والتحديات عاشها يعقوب العمار ولكن عزيمته كانت أقوى من الظروف. ومع استمرار المشهد اليوميّ للاغتيالات في درعا تنتهي قصة النضال التي عاشها العمار بأحد التفجيرات الانتحارية التي استهدفت أحد اجتماعات كبار القادة العسكريين والمدنيين في المحافظة.
يعقوب العمار من أبناء بلدة نمر. مواليد 1981. متزوجٌ من الدكتورة بثينة الكوشان، وأبٌ لخمسة أطفالٍ تبلغ صغراهم من العمر سبعة أشهر. بدأ دراسته في جامعة دمشق حيث حصل على إجازةٍ في التربية وعلم النفس بتقدير جيد جداً، كما حصل على درجة الماجستير في الإرشاد النفسيّ بتقدير جيد جداً أيضاً، وسجّل لنيل شهادة الدكتوراه ولكن انطلاق الثورة السورية حال بينه وبين الحصول عليها.
مع بداية الثورة السلمية كان العمّار من أوائل منظّمي الاحتجاجات من خلال عمله مع اتحاد تنسيقيات الثورة الناشئ. وكان له نشاطٌ كبيرٌ أثناء وجوده في جامعة دمشق، حيث عمل مع مجموعةٍ من الطلاب على تنظيم المظاهرات المناهضة لحكم الأسد مما أدى إلى تعرّضه لملاحقاتٍ أمنيةٍ فصل إثرها من الجامعة.
أجبرت الظروف يعقوب العمار وعائلته على اللجوء إلى المملكة الأردنية، ولكن ذلك لم يمنعه من إكمال مسيرته الثورية. فقد تابع نضاله من هناك من خلال عمله في استقبال الجرحى على الساتر الأردنيّ ومرافقتهم حتى الشفاء، كما عمل في مجال الدعم النفسيّ في مخيمات اللجوء السوريّ في الأردن، وكان له الدور البارز في تأسيس منظمة «مستقبل سوريا الزاهر» التي كان لها نشاطٌ كبيرٌ في هذا المجال هناك.
بعد عودته إلى البلاد انطلق بالعمل على تأسيس العديد من مراكز الدعم النفسيّ في المناطق المحرّرة في كلٍّ من مدينة طفس ودرعا البلد وسحم الجولان بالإضافة إلى بلدته نمر. وقام بتدريب عددٍ كبيرٍ من الشبان والشابات على أساسيات الدعم النفسيّ، تحولوا من متدربين إلى مدربين، وأسهم بعضهم في إنشاء مراكز دعمٍ نفسيّ. يقول عمر طعاني لـ«عين المدينة»، وهو أحد الذين تدربوا على يد العمار: «أسّسنا في بلدة سحم الجولان مركز أمان للدعم النفسيّ. وكان ليعقوب العمار الفضل الكبير في افتتاح هذا المركز من خلال الدورات التدريبية التي كان يعطينا إياها، بالإضافة إلى المساعدة الكبيرة التي حصلنا عليها من خلال العمار للانطلاق بهذا المركز».
في أيلول 2014 انتخب رئيساً لمجلس محافظة درعا الحرّ، وأعيد انتخابه لدورةٍ أخرى في عام 2015 بعد أن حاز ثقة الوجهاء والفصائل العسكرية وباقي المكونات الثورية في حوران. وفي أواخر العام نفسه قامت حركة المثنى الإسلامية باختطافه أثناء توجهه إلى مكان عمله في مجلس المحافظة، وبقي أسيراً لديها عدة أيامٍ إلى أن استطاع جيش اليرموك، أحد أكبر فصائل الجنوب، وبعد متابعةٍ دقيقةٍ وتحريات، الكشف عن المكان الذي كان معتقلاً فيه وتحريره.
ويفسّر الناشط الإعلاميّ فريد الكايد لـ«عين المدينة» هذا الاختطاف بأن «الطفرة الكبيرة في التحول المدنيّ والعمل المؤسّساتي التي عمل عليها العمار وبدأ في تحقيقها جعلت الكثيرين غير راغبين في استمرار مشروعه. فالحرب التي نخوضها ليست حرباً في الميدان فقط، بل هي معركةٌ على جميع الجوانب، وهي تستهدف إسقاط الثورة مدنياً وعسكرياً وسياسياً. وهذا ما لاحظناه من خلال اختطاف يعقوب العمار».
تابع العمار بعد ذلك مسيرته في العمل على تقوية النشاط المدنيّ والمؤسّساتيّ في الجنوب السوريّ، حتى اختير ليشغل منصب وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة برئاسة الدكتور جواد أبو حطب. ولم يمضِ على استلامه هذا المنصب سوى 70 يوماً حتى ارتقى العمار شهيداً بتاريخ 22/ 9/2016، بعدما أقدم انتحاريٌّ على تفجير نفسه داخل مخفر إنخل الثوريّ. وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في وقتٍ لاحقٍ مسؤوليته عن تفجير الاجتماع الذي كان يضم كبار القيادات العسكرية والمدنية، ومن بينهم العمار الذي ترك خلفه حملاً كبيراً يمتحن قدرة الآخرين على متابعة ما حققه من نجاحات.