وقفاتٌ من الأمل في منظمة بسمة

من أحد احتفالات بسمة - خاص عين المدينة

حين بلغ التاسعة من عمره، وبعد أن كان حالماً بدراسته ومحبّاً لزملائه الذين أصبحوا أصدقاءه في تلك المدرسة؛ ما لبث أسامة أن وجد نفسه بائعاً للمحروقات على قارعة إحدى الطرق في المدينة.

هذا الطفل، صاحب الابتسامة الرائعة التي لا تفارق محياه، بات يفتقد تلك الابتسامة اليوم نتيجة الحرب الدائرة وما خلفته من آثارٍ سلبيةٍ على وضعه ووضع عائلته، ويفتقد بشكلٍ كبيرٍ حقه الطفوليّ في العيش والحرّية والتعليم، بعد أن أجبرته حالة فقر أهله الشديدة على ترك المدرسة والجلوس على حوافّ أحد أرصفة مدينته ليعيل عائلته ويساعدهم على قسوة هذه الحياة.

في مدينة طفس بمحافظة درعا، وهي المدينة الرائدة والسباقة في التعليم، والمدينة الثائرة في وجه قوّات الأسد؛ أخذ ثلةٌ من المثقفين على عاتقهم مسؤولية عودة الحياة والروح إلى المجال التعليميّ في مدينتهم، فبادروا إلى تأسيس فريقٍ مختصٍّ في مجال الدعم والعلاج النفسيّ وفي المجال التعليميّ والترفيهيّ، هدفه بثّ الروح والحياة من جديدٍ في أطفال مدينتهم.

بعد ان أنهى دجانة البردان الدراسات العليا في علم الاجتماع، وبعد ما شاهده من أحداثٍ وآلامٍ وحالاتٍ نفسيةٍ سلبيةٍ يعيشها أطفال مدينته؛ عمل -بالتعاون مع بعض خريجي كلية التربية من أبناء المدينة- على تأسيس فريقٍ متجوّلٍ يهدف إلى زيارة المدارس والمراكز التعليمية في طفس وتطبيق العديد من البرامج التعليمية والترفيهية النفسية في تلك المدارس.

وكان لـ«عين المدينة» لقاءٌ مع السيد دجانة البردان الذي أكد على صعوبة العمل في البداية، كما أكد على الإصرار والعزيمة الكبيرين لعناصر الفريق لتقديم كلّ ما يمكنهم لإخراج الأطفال من واقع الأحداث المؤلمة. وبيّن البردان أنه «في بداية الـ2013 تطوّر عمل الفريق وأصبحت الحاجة أكبر لتأسيس مركزٍ قائمٍ على الأرض، فعملنا على تأسيس «مركز بسمة للدعم النفسيّ والارتقاء البشريّ»، هذا الاسم الذي استوحيناه من إصرارنا وعزيمتنا على إعادة البسمة والسرور إلى شفاه وقلوب أطفالنا». وبعد تكاتف الجهود، ونظراً للحاجة الماسّة إلى الدعم والعلاج النفسيّين؛ انطلق مركز بسمة بالعمل على إنشاء عدّة مراكز دعمٍ نفسيٍّ في كلٍّ من محافظتي درعا والقنيطرة.

كما التقينا خالد المستريحي، المدير العام لمنظمة بسمة، الذي حدثنا عن آلية عمل المنظمة وفق مجموعاتٍ تتولى كلٌّ منها 15 طفلاً لثماني جلساتٍ خلال شهرين. وأشار إلى التوسّع الكبير التي قامت به المنظمة بافتتاح مراكز في مدينة نبع الصخر وبلدة الرفيد وقرية العشة وعدّة مدنٍ وبلداتٍ أخرى، بالإضافة إلى مركز طفس، انطوت تحت اسم منظمة بسمة. ويتم من خلالها تطبيق العديد من البرامج التعليمية، والعمل على إقامة نشاطاتٍ وفعالياتٍ مهرجانيةٍ تدخل الفرح إلى قلوب الأطفال والأهالي.

وعن أهم البرامج والنشاطات يوضح السيد محمود البردان، صاحب الباع الطويل في مجال العلاج والدعم النفسيّين، أحد المعلمين في منظمة بسمة، أنه يتمّ تطبيق برامج عديدةٍ ومتنوعةٍ منها برنامج (سكريم) الذي يحدّ بشكلٍ كبيرٍ من ظاهرة عمالة الأطفال الذين تركوا دراستهم لمساعدة ذويهم كما رأينا في حالة الطفل أسامة. ويضيف: «بالإضافة إلى ذلك عملنا على تطبيق برنامج «المساحات الصديقة للطفل»، الذي يهدف إلى إخراج الأطفال من واقعهم المرير إلى الحالة الطفوليّة السليمة المليئة بالفرح والسعادة. وكان لهذا البرنامج وقعٌ خاصٌّ على أطفال المنظمة». والجدير بالذكر أن برنامج «المساحات الصديقة للطفل» يتوجّه إلى الأطفال في أعمار 5-10 سنوات، بينما يعنى مشروع «أساليب البقاء» بالأطفال الأكبر سناً، وتوجد برامج لذوي الاحتياجات الخاصة، وأخرى لأبناء الشهداء والمعتقلين.

ولأن عدسة أيّ مصوّرٍ تسارع إلى السعي خلف اللقطات الرائعة، فقد عبّر لنا مدير المكتب الإعلاميّ، السيد أسامة دحلوش عن حالة الإعجاب التي انتابته تجاه صورة تلك الطفلة التي تقف مع زميلاتها أثناء أحد احتفالات المنظّمة مؤخراً، والتي حكت بحزن عينيها قصصاً تعجز عنها الكلمات. كما أكد الدحلوش -من خلال عمله كمصوّرٍ مع المنظمة- عن حبّه الشديد لهذا العمل، وتعلقه بهذا الجوّ الأسريّ الجميل وبالأطفال الذي عاش معهم آلامهم وأحزانهم وأفراحهم.

إن ما تقدمه منظمة بسمة، سواء على الصعيد التعليميّ أو التربويّ أو النفسيّ، هو عملٌ رائعٌ يخدم الأطفال بشكلٍ كبيرٍ في ظلّ الحرب الموجعة التي تعصف بالبلاد.