وسائل التواصل الاجتماعي لها آذان في حماة

يعتمد الحمويون المقيمون في مدينة حماة كما عموم السوريين تحت سلطة الأسد، على خطابين سياسيين مختلفين؛ الأول في المنزل حيث يكون الحديث دون قيود ومحاذير ولكن يحبذ ألا يسمعه الصغار، بينما الثاني في الأماكن العامة حيث تتعدد أسقف الحديث ومكامن الخطر ويصبح النيل من فساد المسؤولين الصغار منتهى التبرم من الأوضاع. واليوم يسود الحذر في التعامل حتى مع وسائل التواصل الاجتماعي.

يختلف حذر الحمويين في المجال العام من مكان إلى آخر، فعلى الرغم من سعي النظام الحثيث لإنهاء جميع معارضيه بوحشية في مدينة حماة، فإن بذرة الخوف التي زرعها لم تجد البيئة المواتية لنموها وازدهارها، وأصبح للشارع الحموي خبرة واسعة في التعاطي السياسي السري والتأقلم والتعايش مع جميع الضغوطات والأخطار المحيطة.

تقول رهام وهي طالبة في كلية التربية بحماة لعين المدينة أنها تتجنب الخوض علناً في أي حديث سياسي له علاقة بالتطورات الحالية، لأن الجامعة تحوي على خليط متنوع من كافة المحافظات السورية، وليس من السهولة معرفة الخلفية السياسية لكل طالب، فضلاً عن كون الجامعة تعتبر معقلاً أمنياً تنتشر فيه عيون النظام، فالحديث في المنزل أو الحي مغاير تماماً للحديث في الجامعة.

ويعتقد الكاتب والباحث الحموي بسام أبو عدنان أن حواجز الخوف لم تعد كما كانت في السابق بسبب ما أحدثته الثورة السورية من جرأة في النفوس وتراجع هيبة النظام وقبضته الأمنية، وتوسع دائرة الشخصيات الموثوقة نتيجة الموقف الواضح للشريحة الأعظم في المحافظة خلال الحراك السلمي في المدينة، وتأثر هذه الشريحة من قبضة النظام الأمنية بشكل مباشر.

ويضيف في حديث لعين المدينة بأن الوضع المعاشي السيء الذي تعيشه حالياً هذه الشريحة زاد من الجرأة على اعتبار أن السبب الأساسي لصمتهم في السابق كان الخوف من الاعتقال أو التهجير، وبسبب الوضع الاقتصادي المتردي أصبح طموح هذه الشريحة الخروج من البلاد والتخلي عنها.

ولمدينة حماة خصوصية في التاريخ السياسي الحديث لسوريا باعتبارها دفعت الضريبة الأكبر نتيجة الحراك السياسي فيها منذ سيطرة حزب البعث في الستينات، وكانت ذروة الرعب في شباط العام 1982  في مجزرة حماة الشهيرة، والتي شهدت بعدها المدينة حالة من الرعب والكبت والرهبة من الخوض بالأنشطة والأحاديث السياسية المفتوحة والمتعمقة، واقتصرت على بعض النشاطات السرية الضيقة والجلسات الخاصة امتدت إلى عهد الأسد الابن.

ومع انطلاق الربيع العربي ووصول شرارته إلى سوريا في آذار 2011 عاد الحراك السياسي المعلن في مدينة حماة إلى الواجهة، وذلك عبر مظاهراتها المليونية المنظمة التي شاركت فيها شريحة واسعة من أبناء المدينة، وعادت الجلسات والنقاشات المفتوحة والعلنية إلى الساحات والمقاهي والأماكن العامة والمنازل، إلا أن هذه الصحوة لم تعمَّر طويلاً فقد قابل نظام الأسد الحراك الأخير بالعنف والقوة المفرطة وقام بملاحقة واعتقال المئات، فعادت المدينة إلى العهد القديم من التضييق والملاحقات الأمنية وتوقفت النشاطات السياسية العامة وأصبحت الأحاديث واللقاءات حبيسة العائلة الواحدة أو الأشخاص الموثوقين والجلسات السرية.

وترى الناشطة الإعلامية يافا الشحنة المقيمة في فرنسا أن الشارع الحموي بات شبه خال من أي حراك سياسي نتيجة للهجرة الكبيرة من الطبقة السياسية والمثقفة من مدينة حماة إلى خارج البلاد، وأن الحديث في الأمور السياسية بات مقتصراً على الجلسات العائلية وبالصوت الخافت، وأن معظم الأحاديث في المناطق العامة باتت مقتصرة على التعبير عن الاستياء من الوضع المعيشي والأزمات الاقتصادية التي تعاني منها مناطق النظام.

وتضيف الشحنة لعين المدينة أن العائلة الحموية تعيش حالة من الشتات الاجتماعي عقب الهجرة الكبيرة للفئة الشابة والرجال الفارين من التجنيد الإجباري والاعتقال إلى المناطق المحررة أو تركيا ودول أوربا، ما جعل من وسائل التواصل الاجتماعي منبراً مميزاً وآمناً للقاءات بين المقيمين في حماة والحمويين خارجها، يناقش عبرها المستجدات السياسية والوضع الاقتصادي وتبادل الآراء مع الأقارب والأصدقاء.

بينما يؤكد الشاب أيمن أبو ماهر المهجر من مدينة حماة والمقيم في مدينة إدلب، أن الاعتماد في التواصل بين منطقتي المعارضة والنظام على المكالمات الهاتفية المباشرة على برنامج واتساب حصراً، حيث يحاول سكان المنطقتين تجنب الكتابة أو إرسال التسجيلات الصوتية لسهولة استرجاعها بعد حذفها، في حين يكون التواصل في الأحاديث الحساسة من خلال الأرقام الأجنبية بين الجانبين.

ويرتبط تعاطي الحمويين السياسة وممارستها والاطلاع على متغيراتها بشكل وثيق بمعاناتهم اليومية ومستقبلهم، شأنهم شأن البقية من أبناء بلدهم على امتداد المحافظات السورية التي قُسمت فيها مناطق السيطرة وتوافقت فيها قدرة المواطن السوري على اختلاق معاجم لغوية متنوعة تراعي سلامتهم وتحفظ تطلعاتهم وتفتح لهم مساحة من التعبير عن آرائهم.