- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
هيئة الطبابة الشرعيّة: مقاتلون من نوعٍ آخر في أحياء حلب
هيئة الطبابة الشرعية لمحافظة حلب خلال عملها الميداني
بينما تواصل براميل نظام الأسد المتفجّرة سقوطها اليوميّ على أحياء حلب المحرّرة، وفي وقتٍ يعتبره الناس الأسوأ على سوريا منذ عهد العثمانيين، ولا سيما عند مشاهدة كمّ الضحايا المدنيين الذين يقضون بشكلٍ يوميٍّ دون أن توجد وسيلةٌ عسكريّةٌ تقف بوجه هذه الجرائم؛ يقوم مجموعةٌ من الشباب بتوثيق أعداد الضحايا عبر سيارتهم الصغيرة التي تنقلهم من مكانٍ إلى آخر على مدار 24 ساعة.
أبطالٌ من حلب
ليس الدفاع المدنيّ في حلب فقط من يقوم بواجباته الثوريّة في محاولة إنقاذ الناس من بين ركام المباني وإسعافهم، وإنما هناك أيدٍ خفيّة لم يتمّ إظهارها إعلاميّاً رغم أهميّة عملها لما بعد سقوط النظام. إنهم أفراد الطبابة الشرعيّة، وهم من يقوم اليوم بتوثيق أعداد الضحايا والجرحى ضمن سجلاتٍ وأرقامٍ من أجل تقليص أعداد المفقودين. ويقوم كادر الطبابة بذلك عبر معرضٍ للصور في قلب مقرّهم، يحتوي صوراً للجثث التي وردت إليهم. ويحاول الأهالي ممن فقدوا أقارب مراجعة المركز من أجل التأكّد من وجود ذويهم في الهيئة أو لا.
ومن أجـــل اســــتعراض بعـــــــض المعلومات عن الأعمال التي يقومون بها يومياً في حلب، قابلت "عين المدينة" مدير هيئة الطبابة الشرعيّة، الخبير الجنائيّ أبو جعفر كحيل. وهو، مع مجموعةٍ من الشباب، مؤسّس الهيئة. يقول الكحيل إنّ السبب الرئيسيّ لإنشاء هيئة الطبابة الشرعيّة هو مجزرة النهر المعروفة في حلب، عندما تمّ إعدام عشرات المعتقلين ورميهم في نهر الشهداء. وأوضح الكحيل أنّ عمل الهيئة يقوم على عدّة إجراءاتٍ، فهناك العديد من السجلات، مثل السجلّ اليوميّ، وسجلّ التقارير الطبيّة، وسجلّ المفقودين، وسجلّ الأمانات، وسجلّ الوفيَات، وسجلّ الترحيل... إلخ. وتستقبل الهيئة يومياً عشرات الجثث من عدّة أحياءٍ مختلفة، وذلك بواسطة سيارتها الصغيرة التي تعتمد عليها أثناء العمل.
احتياجاتٌ ومشاكل
رغم عملهم التطوعيّ وجهدهم الشخصيّ الذي حاولوا من خلاله الوقوف مع غيرهم من أبناء حلب في أصعب الأزمات التي تمرّ بها المدينة، يعاني أفراد الهيئة، مثلها مثل أي تجمعٍ آخر، من نقص الكثير من المستلزمات الطبيّة والتقنيّة من أجل ضمان استمرارهم بالعمل. فهم يحتاجون إلى بعض الكاميرات من أجل تصوير الجثث التي تردهم، وإلى سيّارة نقلٍ وجهاز إنترنت فضائيٍّ لنشر المعلومات لديهم والتواصل مع الشبكات الإعلامية لنشر أسماء الضحايا بشكلٍ يوميّ، وبعض الخزائن الحديدية لحفظ الملفات والأمانات، والألبسة الخاصة بأفراد الهيئة، ومعدّاتٍ لتشريح الجثث، وجهاز أشعة، وغير ذلك من الأمور الضرورية التي تفتقدها الهيئة أثناء عملها.
الشاب علي، من أبناء حلب، أبدى رأيه بنشاط هيئة الطبابة قائلاً: "سرّ صمود حلب إلى هذه اللحظة، ورغم البراميل المتفجّرة والقصف المستمرّ بالهاون والمدفعيات، أنّ أبناءها يقفون جنباً إلى جنبٍٍ في مواجهة شراسة النظام. وهيئة الطبابة الشرعيّة إحدى المكوّنات التي لا يمكن لحلب الاستغناء عنها". في حين يقول الطالب الجامعيّ شريف الأحمد: "مستقبلاً سيحتاج أهالي حلب إلى مراجعة مقرّ الطبابة الشرعيّة. اليوم لا توجد عائلةٌ لم تتضرّر من جرائم الأسد في حلب، وهناك مئات المفقودين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن. فعمل الطبابة مهمٌّ جداً، خاصّةً في هذه المرحلة الحرجة".
ولكن، في كلّ الأحــــوال، يقتنع أهالي حلب بأنّ النشاطات المدنيّة لا تقوى إلا على تجميع انتهاكات النظام وتوثيقها لما بعد سقوطه، أمّا أن تحارب النظام بفعلٍ مدنيٍّ فلن يجدي. إذ بات العمل العسكريّ، ليس فقط في حلب بل في جميع المناطق المحرّرة، الملجأ الوحيد الذي سينقذ الشعب السوري من إجرام نظام الأسد. أمّا فيما يتعلق بالطبابة الشرعيّة وعملها اليوم فالجميع يتّفق على أنّ نتائج هذا العمل ستظهر فيما بعد، حين يعود الأهالي إلى حلب ويبحثون عن ذويهم. وقتها سيُدرك مدى أهميّة عمل الطبابة الشرعيّة.