بات من المعتاد، في كلّ رمضانٍ، أن يصادف هواة المسلسلات عدّة أعمالٍ تلفزيونيةٍ، ينتجها ويدعمها النظام وأذرعه الإعلامية، تتحدّث، بشكلٍ أو بآخر، عن الأوضاع الحالية في البلاد وفق رؤية الخطاب الإعلاميّ للنظام. ما أفرز في النهاية ما تمكن تسميته بدراما التشبيح، التي لها خصائص ومقوّماتٌ بنيويةٌ وفنيةٌ تعتمد وتقوم عليها.
كوادر العمل التشبيحيّ
لا حاجة إلى الاستنتاج أن معظم المسلسلات الرمضانية السورية التي تبثّ الآن يتصدّر بطولتها ممثلون أعلنوا لمرّاتٍ عديدةٍ ولاءهم لبشار ونظامه، وطالبوا على الشاشات بسحق الثورة. ومنهم من وقف علناً بالسلاح على حواجز الأمن وتحت بساطير الجيش التي اعتادوا أن يقبّلوا. وتندرج ضمن هذه القائمة أسماءٌ يحتفي بها النظام كـ"نجومٍ"، من أمثال سلاف فواخرجي وسوزان نجم الدين وغسان مسعود وغيرهم. لكن هذه الأعمال ساعدت، أيضاً، العديد من الأسماء الهاوية التي تسعى إلى صناعة مجدٍ شخصيٍّ في فضاء التشبيح والدعم السائد، دون أن تكون لها علاقةٌ مباشرةٌ بهذا المجال سابقاً. لم يقتصر هذا الأمر على الممثلين فحسب، وإنما شمل أسماءً لمخرجين وكتّاب سيناريو لم يعرفوا من قبل، يعيثون مواقف الآن على الشاشات. بهذه الطريقة كتب صحفيو الوسط الفنيّ المغمورون مسلسل "عناية مشدّدة"، ليخرجه أحمد إبراهيم أحمد، شقيق مذيع النظام الشهير جعفر أحمد. لكن، لنكن منصفين، لا تكفي الأسماء وحدها لمحاكمة جودة العمل. فبنظرةٍ سريعةٍ على حبكة "عناية مشددة" يكفي للمشاهد أن يرى أيمن رضا بدور "المعارض الوطنيّ الشريف"، وهو يلقي محاضرةً في وجه خاطفيه المتطرّفين -يرتدون اللباس الأسود بالطبع- الذين يخيّرونه بين القتل أو التعاون معهم، ليخرج غاضباً من مكان احتجازه وكأنه خارجٌ من باب مقهى، تاركاً وقعَ كلماته "الوطنية" لدى أعدائه، ليأتيه، بعد حينٍ، أحد العناصر الذين استمعوا إليه، معلناً عن توبته وعودته إلى حضن الوطن ومؤسّساته، بعد أن عرف أن جماعته تموّل خارجياً، وتأثر بكلام أيمن رضا في مشهدٍ لا تُفهم قدماه من رأس مخرجه.
المقولات الخالدة
تدور معظم قصص هذه الأعمال حول ما يسمّى بـ"الأزمة" ونتائجها. وكذلك تفعل حواراتها حين يتعلق الأمر بأيّ ذكرٍ للثورة. ففي مسلسل "امرأة من رماد"، للمخرج الشبّيح -حسب تصريحه- نجدت أنزور، يصبح الثوّار ليبيين يشاهدون، بشكلٍ مستمرٍّ، فتاوى تجيز الذبح ونكاح الجهاد. فيما تردّد سوزان نجم الدين، تعقيباً على صوت انفجارٍ قريبٍ: "يضربوا هنه وحورياتن". في الوقت الذي يقاتل فيه السّنة والعلويون ضدّ الإرهابيين جنباً إلى جنبٍ في الجيش، مخلفين وراءهم أسراً طيبةً وخطيباتٍ يذرفن الدموع. وعلى المنوال نفسه ينسج المسلسل شخصية المعارض الخائن والعميل. ومن هذه الأجواء الممجوجة ذاتها تمتلئ حلقات المسلسلات بمشاهد وجملٍ عن جمال الوطن -الشام- وياسمينه وأزقته، التي تعيد إلى أيمن رضا صوابه الأسديّ، بعد أن ضلّ لمدّةٍ قصيرةٍ بمعارضته للنظام، كملخّصٍ مصوّرٍ لما تتحدّث عنه وسائل الإعلام الأسدية طيلة الوقت، دون أية إضافاتٍ سوى المشاهد "الجريئة"، التي يبدو أن أصحاب هذه الأعمال يصرّون على إدخالها لتحريك الجو، لأنهم يعرفون، بشكلٍ مسبقٍ، من هو جمهورهم المقصود.
إذ تُعرض تلك المسلسلات على قنوات النظام، كـ"تلاقي" و"دراما"، لتتوجّه إلى جمهور المؤيدين ليستمعوا إلى ذات الكلام الذي يدّعون معرفته. فيما تحاشت القنوات الفضائية الشهيرة شراءها، ليُترك الأمر لقنوات التشبيح الإقليميّ NBN) اللبنانية) وجمهورها الساذج ليفهموا ما يجري في سوريا من خلال مسلسلاتٍ ونجومٍ عفا عليهم زمنُ أهمّ حدثٍ وقع في تاريخ المنطقة وشعوبها المعاصر، ليقف المشاهدون بلهاء أمامه مثلما يحضرون دراماهم.