يربط الكثيرون عادةً بين تأمين فرص العمل وبين الاستقرار. ولا شكّ أن شعور السوريين في اسطنبول بعدم الاستقرار كان له الأثر الكبير على نقص اندماجهم، وعدم تعلمهم اللغة التركية التي تشكّل وسيلةً أساسيةً للعمل وتحسين ظروفه. لكن، ومع مرور الوقت وتزايد عدد الوافدين وطول مدّة الإقامة، أصبح من الملاحظ نموّ النشاط العمليّ للسوريين، رغم هذه العوائق وارتفاع تكاليف المعيشة.
رؤوس الأموال وأصحاب الحرف
أشار تقريرٌ أصدره اتحاد الغرف والبورصات التركية إلى تأسيس السوريين لـ585 شركةً مسجّلةً خلال النصف الأوّل من العام الماضي فقط، بزيادةٍ كبيرةٍ عن عدد الشركات التي أسّست برأس مالٍ سوريٍّ حتى 2013، والذي كان لا يتجاوز 238. وتعدّ قطاعات النسيج والأحذية والأغذية والخدمات أكثر المجالات استهدافاً من قبل المستثمرين السوريين. فعلى مستوى صناعات النسيج والأحذية انتقل الكثير من أصحاب المعامل والورشات الحلبيين إلى مدينة اسطنبول، لأنها تعدّ مركزاً حيوياً لهذه الصناعات وتجارتها. وافتتحت عشرات الورشات والمعامل الصغيرة والمتوسطة -معظمها غير مرخص- بالإضافة إلى ورشات الطباعة والتغليف الرديفة. ومن جهةٍ أخرى، باتت المطاعم السورية في اسطنبول (طربوش، ملك الشاورما، شام شريف، وغيرها) دليلاً إضافياً على التوجّه نحو الاستقرار في تركيا.
الباحثون عن فرص العمل
دفعت الحاجة معظم الشباب السوريّ إلى البحث عن أقرب فرصة عمل، مما اضطرّ الكثيرين إلى مهنٍ ليست لهم فيها سابق تجربةٍ أو معرفةٍ حتى. كما أسهم عائق اللغة في التوجّه إلى البحث عن العمل لدى سوريين آخرين، ولذلك يشتغل الكثير من طالبي العمل في ورشات النسيج والأحذية والتغليف، كما في المطاعم. أما البعض الآخر فقد وجد في مجالي نقل البضائع والبناء ما يناسبه، لاعتماده على المجهود الجسديّ. أما على مستوى الخدمات السياحية فيعمل البعض بتأمين الزبائن العرب أو السوريين لعيادات التجميل وزراعة الشعر. وكلّ ذلك برواتب تعدّ قليلةً بالنسبة إلى ساعات العمل. إذ يتراوح الدخل الشهريّ للعامل غير المحترف، الذي يقضي عشر ساعاتٍ يومياً في ورشة خياطة، بين 500 و700 ليرة. أما العمالة المحترفة فمردودها قد يبلغ أحياناً الـ1200 ليرة شهرياً، "بحسب شطارة المعلم". وعند العمل في الخدمات لا يوجد راتبٌ ثابتٌ في أغلب الأحوال، بل يتمّ الدفع على "الرأس"، فيحصل الوسيط على مبلغٍ يترواح بين 200 و300 ليرةٍ عن كلّ زبون.