ميليشيات الساحل كبش فداء.. وميليشيات إيران باقية وتتمدد

تغيّرات أغلبها غير علني، طرأت على عمل الميليشيات الموجودة في الساحل السوري، وخاصة في محافظة اللاذقية، دون تبريرات واضحة -لطيفهم ومؤيديهم- من قبل القادة المسؤولين عن هذه الميليشيات، والذين تربط أغلبهم صلة علاقة أو صداقة مع عائلة الأسد وتفرعاتها؛ فيما يرصد نشطاء من المنطقة التغيرات الأخيرة، وأثر ذلك على الحياة العامة في الساحل المحكوم منذ سنوات من قبل هذه الميليشيات وحواجزها وسياراتها المتنقلة في مختلف الأحياء والقرى.

سرايا العرين (313) كانت الميليشيا الأوضح بإعلان انتهاء عملها، من خلال بيان نشرته على صفحتها، ومن ثم حفل تكريمي لقادتها من قبل فرع حزب البعث في اللاذقية، وجده نشطاء بأنه إعلان مباشر وواضح بنزع أو تقليص النفوذ والمزايا التي طالما تمتع بها قادة هذه الميليشيا، وتقييد أيديهم عما كانوا يستطيعون عمله من غير حساب.

يقول عزيز، وهو طالب جامعي من قرية قرب مدينة القرداحة، لعين المدينة، إن (سرايا العرين) أخلت نقاط التفتيش والحواجز التي كانت تنشرها في محيط القرداحة، وعلى أطراف مدينة اللاذقية. ويرى عزيز أن قرار حل الميليشيا صدر عن قاعدة حميميم (مقر قيادي ومطار تسيطر عليه القوات الروسية) فلا يمكن لقيادة جيش الأسد أو أجهزة أمنه أن تصدر مثل هذا القرار، ولا تملك السلطة الكافية لتنفيذه.

تبدي الشرطة العسكرية الروسية وقوفها ضد عمليات النهب والأعمال الإجرامية الأخرى التي تقوم بها الميليشيات، و(سرايا العرين) التي اشتهرت بجرائم قتل وإعدام ميداني بحق مدنيين، إضافة لأعمال سرقة وخطف وسطو مسلح في مناطق سورية مختلفة، ولم تسلم منها حتى القرى في ريف اللاذقية، قد  تكون بداية عهد جديد يتراجع فيه دور الميليشيات لحساب أجهزة مخابرات النظام وتشكيلات جيشه، خاصة منها تلك المدعومة من القوات الروسية، مثل (قوات النمر).

قبل (سرايا العرين) بدأت مجموعات ميليشيا (صقور الصحراء) وميليشيا (مغاوير البحر) بالاختفاء تدريجياً من مقراتها في اللاذقية وريفها، مع الأنباء المتواترة عن سيطرة جيش النظام وشرطته العسكرية على سيارات ومعدات حربية وأسلحة وذخائر تعود ل(الصقور والمغاوير)، ولم تتأكد بعد الأنباء التي تحدثت عن اعتقال أيمن جابر قائد الميليشيا وصهر آل الأسد (زوج ابنة كمال ابن عم بشار الأسد) وصديق ماهر وشريك فواز الأسد وتابعه الأقرب،  خلال سنوات طويلة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

يقول محمود (اسم وهمي لناشط من اللاذقية) إن تراجع حضور الميليشيات عملية دعائية تبرز النظام منتصراً في حرب لم تنته بعد، وتصوره حريصاً على إنفاذ القانون وفرض هيبة الدولة "اللي ما بقى منها شي فعلياً على أرض الواقع"، فحتى الجيش "النظامي" تحول إلى تجمع كبير للميليشيات، وتآكل إلى درجة يصعب فيها استعادة شكله  كقوات عسكرية منضبطة. ويستبعد محمود أن يكون النظام قادراً على التخلص من الميليشيات أو قادراً على الاستغناء عنها، إذ شكلت، وما زالت تشكل اليوم، الكتلة الرئيسية في عديد قواته خلال الحملات على المدن والبلدات السورية، وتشكل الأداة الرئيسية له في الاحتفاظ بها بعد السيطرة عليها.

في جانب آخر لم ينجح النظام أو حلفاؤه الروس بالحد من انتشار ونفوذ الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني بأنواعها وسياقاتها المختلفة، أجنبية كانت أم سورية.

تبدو الصورة الحالية لاجتثاث الميليشيات التابعة للنظام، في الساحل ومناطق سورية أخرى، كاريكاتورية إلى أبعد حد، حين يروّج لها على أنها المطلب المنتظر لوقف الدماء والانتهاكات، بوصف تلك الميليشيات المسؤولة الوحيدة عن الجرائم الفظيعة المرتكبة بحق المدنيين في السنوات السابقة، إلا أن الأمر لا يعدو تقديم بعضها (كبش فداء)،

 لعدم التذكير بالجرائم التي ارتكبها، وما يزال يرتكبها، جيش النظام وأجهزة مخابراته التي كانت وراء تأسيس تلك الميليشيات. ولم تتوانَ من جانبها، أو يتوانى الجيش، عن القيام بكل ما قامت به الميليشيات.

شاركت ميليشيا (سرايا العرين) التي يتحدر معظم عناصرها من القرداحة والقرى المجاورة لها، في الحملة العسكرية التي أطلقتها قوات النظام للسيطرة على محافظة دير الزور في صيف وخريف العام الماضي، ونفذت هذه الميليشيا سلسلة إعدامات ميدانية بحق سكان مدنيين عجزوا عن النزوح، وظلوا في بيوتهم، كان أشهرها الجريمة التي ارتكبها مياس جركس، العنصر في هذه الميليشيا، في شهر أيلول الماضي، حين ألقى القبض على خمشة من أهالي قرية الشميطية، قبل أن يقتل اثنين منهم، ووثّق كل ذلك فخوراً على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك.