مع احتكاك أهالي مدينة دير الزور بتنظيم الدولة بشكلٍ عامٍّ، وبالمهاجرين بشكلٍ خاصٍّ؛ سقطت الصورة المثالية التي كانوا قد رسموها عن أولئك الذين يتركون حياةً لائقةً أو ممتازةً في بلدانهم، خاصّةً في الخليج العربيّ وأوروبا، ليتوجّهوا إلى الأماكن المشتعلة "للدفاع عن المسلمين المضطهدين ورفع الحيف عنهم" (في السابق)، "وإقامة شرع الله" (اليوم).
وقد بدأ سقوط هذه الصورة منذ الخلاف بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة، حين راح المهاجرون يقدحون ببعضهم على المنابر وفي الحلقات والاجتماعات العامة، ويتبادلون إطلاق صفاتٍ تحمل الإساءة من المخزون التراثيّ الكبير (كالخوارج والمرجئة)، وعلى وسائل التواصل الاجتماعيّ، كما في هاشتاغ (#لا_لنفير_النساء)، إذ كتب أحدهم، مثلاً: "مصري انقضى شبابه وهو عاجز عن الاقتران بمصرية لفقره وكسله وقعوده في البيت؛ جاء إلى الشام وتزوج بأربع نساء ثم طلق اثنتين بليلة". لكن؛ لم يكن لذلك الكثير من الصدى بين الأهالي وقتها، إما لاستعمال المهاجرين لغةً قديمةً في النزاع الدائر، أو لنأي الأهالي بأنفسهم عما يحدث، أو لافتراضهم وجود تهمٍ كيديةٍ وإشاعاتٍ ومؤامراتٍ لتشويه السمعة. لكن الأمر لم يطل حتى اتخذوا موقفهم.
فبعد السيطرة على المدينة بدأت سلسلةٌ يبدو أنها لن تنتهي من عمليات هروب المهاجرين، دشّنها أبو أحمد التونسيّ، حين سرق رواتب المقاتلين في دير الزور بعد قصف الطيران لقصر المحافظة القديم، الأمر الذي جرى التعتيم عليه. لكن هذا التعتيم لم ينجح في حالاتٍ أخرى، كحالة أبو عبيدة المصريّ، أمير الزكاة في الولاية، حين سرق أربعة ملايين دولارٍ. لتقول الحكاية إنه قد ترك وراءه ورقةً كتب عليها "دولة إيه يا ولاد الجزمة؟". وليتأكد للكثيرين أن أولئك لم يتركوا حياةً رغيدةً بل جاؤوا ليبحثوا عنها، بعد أن تعرّف الناسُ فيهم على بيئاتهم السابقة المهمّشة والمتواضعة في بلدانهم.
ويفيد أكثر من شخصٍ استولى مهاجرون على بيته أن هؤلاء، حين يتركون البيت، يأخذون معهم الأثاث. ويعمدون، في بعض الأحيان، إلى إحراق البيت بعد خروجهم. ويؤكد هاني، وهو مقاتلٌ سابقٌ في الجيش الحرّ، خاض بعض المعارك إلى جانب مقاتلي التنظيم؛ أن حالات الهروب والاختباء أثناء المعارك كثيرةٌ بين المهاجرين. الأمر الذي أكّده مقاتلون محليون في صفوف التنظيم (مبايعون ومناصرون)، ويلمسه الأهالي وهم يشاهدون العناصر يخلون المقرّات والحواجز ويختبئون بين السكان حين يحلّق الطيران –التحالف خاصّةً- فوق المدن التي يستولون عليها. كما يلمسونه في تمسّك المهاجرين بالمناصب الإدارية أو عيشهم في مناطق بعيدةٍ عن الجبهات المشتعلة. ويفيد إعلاميٌّ مستقلٌّ في المدينة –رغم أنّ الأمر لا يعجبه- أنّ "الناس أصبحت تتلقى برضىً تسمية "العملية الانتحارية"، والبعض يستخدمها. وهي التسمية التي تطلقها أغلب القنوات الإعلامية. بل ويذهب البعض إلى الاستهزاء حين تؤجّل العملية فيقولون، مثلاً: "الاستشهادي مكرّب". رغم أن الجميع هنا، تقريباً، يعلق آماله في الوقت الحاليّ على التنظيم للتخلص من النظام". كما يتناقل الناس باستهجانٍ تصرّفاتٍ وآراء يتمسّك بها مهاجرون؛ كرفضهم تلقيح أولادهم أثناء الحملات، أو اتهامهم الأهالي بالوقوف وراء الهزائم بسبب الذنوب، ثم الدعوة إلى تحريم دراسة الرياضيات والفيزياء والكيمياء، وكذلك تناول المرتديلا والماجي وغيرها الكثير.
يدرك التنظيم سقوط الصورة المثالية لرأس الحربة لديه. وتمكن الدلالة على ذلك من خلال خطبةٍ ألقاها أحد المهاجرين مؤخراً في جامع حرويل (المعبّر شبه الرسميّ عن أفكار التنظيم في المدينة)، إذ دعا الأخوة إلى "التمسّك بمكارم الأخلاق في مواجهة إساءة العوامّ للمجاهدين الذين تركوا الغالي والنفيس". وفي المقابل، كما يرى البعض، يكرّس القضاة والقادة هذا العداء في قراراتهم، كاشتراط وجود شاهدٍ مبايعٍ في تسجيل المركبات، أو نقل الأغراض، أو إخلاء السراح المشروط.
يقول أحد معارضي التنظيم: "التعميم في إطلاق الأحكام غير صحيحٍ، لكنه خير مؤشرٍ على المزاج العامّ في دير الزور، الذي رصد نتائج اغتصاب السلطة بشكلٍ بدت معه تلك النتائج وكأنها استمراريةٌ لما عاشته سوريا لعقودٍ تحت وطأة آل الأسد".