في غرفةٍ واسعةٍ من بيت المصرية أم عمر اجتمعنا، أنا وخمس معلّماتٍ، مع ثلاث مهاجراتٍ من داعش، للتباحث في افتتاح مدرسة.
أوّل الاجتماع، وفي الدقائق القليلة التي انتحت خلالها المهاجرات ببعضهنّ في غرفةٍ ثانية، شعرنا بقلقٍ من مؤامرةٍ و"نيّة شر". وبين الجدّ والهزل جاءت همساتنا: "لازم ننهزم، يريدون يذبحونا"؛ "بي كاميرات بالحايط"؛ "لا تشربون شي، ممكن يحطّون سمّ بالشراب".
لم تبذل أم عمر جهداً في العناية بالمنزل المخصّص لعائلتها من المدينة السكنية لحقل العمر، إذ تدلت فوق الشبابيك ستارةٌ شبه ممزقة، وخلا الحائط سوى من علمٍ باهتٍ لداعش، إلى جانب رفٍّ يحمل رزماً لمنشورات التنظيم الدعوية. وعلى الأرض لم تكن "الإسفنجات"، التي جلسنا عليها، متناسقةً في أحجامها وألوان أغطيتها. بينما دلّت الوسائد الضخمة على مصدرها كما همست إحدانا: "غنايم الشعيطات"، إشارةً إلى الأثاث المسروق من آلاف المنازل في مدينة أبو حمام معقل عشيرة الشعيطات، والتي احتلتها داعش قبل أكثر من عامٍ واعتبرت كلّ ما فيها غنائم للتنظيم. رغم ذلك بدت أم عمر زاهدةً إلى حدٍّ كبيرٍ بغنائم الأثاث، مكتفيةً بالقليل منه.
لم نعرف سبب خلوة نساء داعش وعلى ماذا اتفقن، لكن الاجتماع بدأ على كلّ حالٍ فور انضمام "اللئيمة" -كما سمّينا المرأة الرابعة من طرف داعش- التي جاءت تحمل بندقيةً على كتفها، واعتذرت، إلى المهاجرات فقط، عن تأخرها عن الموعد.
قالت أم عمر إن تعليم الأولاد القراءة والكتابة والحساب أمرٌ هامٌّ جداً، لكنه يجب أن يسير بالتوازي مع عملٍ آخر هو "غرس حبّ دولة الخلافة، لأنها الحاجة الأهمّ من كلّ حاجة". وقالت إن كتب المنهاج الجديد "ذات الطباعة الفاخرة" ستكون جاهزةً قبل بدء العام الدراسيّ، وإن علينا أن نستعد. بدت المصرية خبيرةً بعض الشيء بشؤون التعليم، اذ أبدت ملاحظاتٍ هامةً عن البرنامج وتوزيع الحصص، بخلاف رفيقتيها اللتين لم تقولا شيئاً مفيداً رغم زعمهنّ بأنهن معلّماتٌ سابقات. أبدت أم عمر لطفاً ملحوظاً نحونا، قد يكون سببه انصياعنا الكامل لتوجيهاتها، أو ربما كانت لطيفةً في الأصل، رغم تعميماتها الحادّة بخصوص ماضينا المهنيّ كمعلماتٍ لـ"مناهج منحرفة"، تجعل منا "مفسدات".
كان كلّ شيءٍ على ما يرام لولا التدخل المفاجئ "للئيمة" التي سألت بصورةٍ مباغتةٍ في لحظة صمتٍ من الجميع: "من منكنّ أمل؟ أمل اللي تقابل الطلاب بالبيجاما". تلاحقت إجاباتنا سريعةً بأن أمل ليست بيننا، بل "ومن هي أمل؟". "معلمة تعطي دروس خصوصي للأولاد بالبيت وتقابلهم بلباس منكر، بيجامات ونص كمّ. والله أعلم تعمل إيش كمان". عرفنا أن "اللئيمة" مخطئةٌ في اسم واحدةٍ منّا ارتدت بالفعل، مرّةً أو مرتين، بيجاما أثناء درسٍ لطفلين مهاجرين دون العاشرة، قبل أن تتلقى تنبيهاً من أمهما بضرورة "الاحتشام". بالإصرار على إنكار وجود هكذا معلّمةٍ بيننا نجحنا في صدّ أوّل عدوانٍ من هذه المرأة التي أوحت لهجتها التونسية أنها مهاجرة، قبل أن نكتشف أنها من ريف إدلب، تزوّجت مهاجراً تونسياً وانتقلت معه بعد طرد التنظيم من هناك، وهي تقلد زوجها في لهجتها المستعارة وغير الموفقة. لم ينفع إطراء أم عمر بأننا "بنات حلال" وأنها متفائلةٌ بنا، إذ لم تكفّ "اللئيمة" عن مضايقتنا، ووجدت ضالتها أخيراً في وجه إحدانا: "إيش عاملة بحواجبك؟ حرام! وإلا ما يهمكش حلال وحرام؟! وباين ما يهمكش!". لم تكن رفيقتنا المتهمة بإهمال الحلال والحرام تتوقع أن تكون بضع شعراتٍ أزالتهنّ من حاجبيها سبباً لورطةٍ مثل هذه. ولم تجد، أمام توبيخ "اللئيمة" لها، إلا البكاء، مما أثر بأم عمر التي أخذت تنصحنا، برفقٍ غير معتادٍ من نساء داعش، بترك أصغر المخالفات.
مرّ وقت الاجتماع ببطءٍ. ولم نخرج بفهمٍ واضحٍ لخطّة عمل المدرسة المفترضة سوى ما نعرفه من فصل الذكور عن الإناث، والمنهاج الجديد، وضرورة التقيّد الكامل باللباس الشرعيّ.