من يقتل عناصر "داعش" في الميادين؟

"منكر يا شيخ!"؛ هي العبارة التي استخدمها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لمكافحة التدخين، قبل أن تتطوّر عقوبة المدخّنين، عقب إعلان الخلافة منذ شهور، إلى الجلد أو السجن أو حفر الخنادق على خطوط القتال. وهي العبارة ذاتها التي خُطّت على "كرتونةٍ" ألقيت على صدر جثة نائب أمير الحسبة في مدينة الميادين، بعد مقتله على يد مجهولين عمدوا إلى السخرية منه بدسّ سيجارةٍ بين شفتيه.

تزامنت هذه العملية مع عملياتٍ أخرى ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش، توزّعت في مناطق مختلفةٍ من ريف دير الزور الشرقيّ. فلا يمرّ أسبوعٌ إلا وتسجّل عمليةٌ أو اثنتان ضد حواجز وسيارات وأفراد التنظيم. وما يزال الفاعل مجهولاً. مما دفع بقادة داعش المحليين إلى التهديد والوعيد، كما فعل مسؤولٌ عراقيٌّ بعد مقتل ثلاثة من عناصر التنظيم وتعليق رؤوسهم على مدخل السوق المقبي في مدينة الميادين، حين راح يصرخ في وجه أعدائه السرّيين بين المارّة من الأهالي: "إذا كنتو رجال تعالو وجه لوجه يا مرتدّين".
ولم تفلح التهديدات والاستعراضات الأمنية، وحملات الاعتقال والتخويف، التي يقوم بها عناصر داعش، في وضع حدٍّ للهجمات ضدّهم. إذ هوجم حاجزٌ للتنظيم قرب دوّار الطيبة على المدخل الشرقيّ للميادين، وهوجمت سيارة دوريةٍ في البادية القريبة من المدينة. ويعزو كثيرٌ من المهتمّين بهذه الهجمات عجز داعش أمامها إلى أنها تصدر من مجموعاتٍ لم تنتمِ سابقاً إلى الفصائل التي قاتلت داعش، أو من أشخاصٍ عاديين آثروا أن يتصدّوا لسيطرتها بهذه الطريقة، مما يصعّب المهمة على أمنييها في التفتيش عن الفاعلين بين عشرات آلاف الشبان.
ولا يمكن إيقاف المقاومة الشعبية المتنامية ضد داعش، كما يقول مقاتلٌ سابقٌ في الجيش الحرّ: "من طرَد بشار الأسد وجنوده من ريف دير الزور قادر على إيذاء داعش متى أراد". ورغم مخاوف السكان إثر كلّ عمليةٍ إلا أنهم لا يتورّعون عن إظهار تشفّيهم -أمام من يثقون به- بمقتل من "يظلمهم ويهينهم ويحقّرهم من جنود ومنتسبي داعش"، بحسب طالبٍ جامعيٍّ من أبناء المدينة يفكّر اليوم أن يهاجر، بعد أن أوصلته سيطرة داعش على المناطق المحرّرة إلى حافة اليأس، كما يقول.
وبسبب التكــــتم الشــــديد الذي تفرضه داعش حول الهجمات، لا يمكن تحديد أعداد القتلى والجرحى الذين يسقطون نتيجتها بدقة. ولكن بعض الناشطين يتناقلون أن أكثر من 40 عنصراً، بمراتب مختلفةٍ، قتلوا في منطقة الميادين وحدها، خلال الأشهر الستة الفائتة. كان آخرهم، بحسب ما ينقل بعض المتابعين، أبو طلحة التونسيّ، والي منطقة "الشولا" -40 كم جنوب دير الزور- مع اثنين من مرافقيه.
يطلق مؤيّدو داعش أخباراً عن إلقاء القبض على بعض المهاجمين، ويحرص آخرون منهم على ربط هذه العمليات بأجهزة مخابرات النظام. وحاولت داعش إرهاب السكان بشنّ حملات اعتقالٍ شبه عشوائيةٍ طالت العديد من الشبّان، وصلبت اثنين، بتهمة العمالة لنظام الأسد، في دوّار مشفى الطبّ الحديث. بينما أعدمت آخر في دوّار البكرة وسط المدينة، ووضعت لوحة كرتونيةٍ على صدره تفيد بأنه شكّل خليةً نائمةً وفجّر سيارةً مفخّخةً. وهي تهمةٌ يستبعدها من عرفوا أحمد التركي، هذا الشابّ المسالم بحسب وصف أحد معارفه، الذي يؤكّد أن القتيل لم ينتمِ لأيّ فصيلٍ منذ بداية الثورة، وأنه متفرغٌ لإعالة عائلته بالعمل في بقالية والده.
يقول أبو خالد، من سكان الميادين، إن داعش تتخبّط بعد الهجمات الأخيرة. ويفسر اعتقالها لأحد قيادييها البارزين، المدعو همام اللافي، في إطار هذا التخبط. وكذلك الإجراءات الأمنية المشدّدة داخل المدينة وفي محيطها.
وعلى هامش ما يجري من أحداثٍ يطلّ الرجل البخّاخ من جديدٍ، ليستأنف نمطاً آخر من أنماط المقاومة، بعباراتٍ مثل "تسقط داعش" و"قادمون" وغيرها من الكتابات الحائطية التي تتوعّد التنظيم. وكما حدث في الأيام الأولى للثورة على نظام الأسد، يلاحق عناصر داعش هذه الكتابات ويقومون بطمسها بالدهان، مما يقلّص من هيبتهم التي يؤكّد الكثير من السكان أنها لم تعد كما كانت قبل أشهر.