من سيرة نفط دير الزور بعد الثورة

تنظيم الدولة والنفط (1)

(مادةٌ مأخوذةٌ من دراسةٍ عن النفط في المحافظة، منذ خروجه ومنشآته عن سيطرة النظام وحتى الآن. أعدّها فريقٌ من الباحثين. وصدرت مؤخراً عن "عين المدينة")

ديوان الركاز

الركاز مصطلحٌ فقهيٌّ إسلاميٌّ يقصد به الثروات المدفونة في باطن الأرض. ونظراً لطبيعة العمل النفطيّ، وما يتطلبه من معطياتٍ تتخطّى التحديد والتقسيم الإداريّ لما يسمّيه التنظيم «الولايات»؛ يشرف ديوان الركاز على عمل المنشآت النفطية في أربع «ولاياتٍ» هي، وفق تسميات التنظيم: الخير (تضمّ الجزء الأكبر من دير الزور)؛ الفرات (أجزاء من سورية والعراق)؛ البركة (الحسكة)؛ الرقة. ويتبع ديوان الركاز لهيئةٍ أعلى، تشرف بدورها على ديوانٍ آخر للركاز يعمل في مواقع النفط في العراق.

تشغّل منشآت النفط في «ولاية الخير» إدارةٌ خاصّةٌ، تتركز معظم مكاتبها في الموقع الرئيسيّ لحقل العمر. ويمكن تقسيم المكاتب والإدارات التي تتفرّع عنها وفق الواقع الحاليّ (نهاية الشهر 5 من العام 2015) إلى ما يلي:

  • إدارة الإنتاج: وهي المسؤولة عن إدارة العمليات الإنتاجية في المواقع المختلفة وفق ما يلي:
  • الموقع الرئيسيّ لحقل العمر والآبار القريبة والمتصلة بمحطته الرئيسية.
  • مجموعة الآبار الواقعة بين نهر الخابور وحدود حقل التنك (المتصلة بمحطاتٍ والمنفردة) ، وآبار محطة العزبة –غرب الخابور- التابعة سابقاً لحقل العمر.
  • الموقع الرئيسيّ لحقل التنك والآبار القريبة والمتصلة بمحطته الرئيسية.
  • مجموعة الآبار (المتصلة بمحطّاتٍ والمنفردة) التابعة سابقاً لحقل التنك.
  • مجموعات الآبار التابعة سابقاً لمحطّة العشارة.
  • معمل غاز كونيكو والآبار القريبة منه في حقل الجفرة، وحقل العطالة والحقول الصغيرة الأخرى التابعة سابقاً لشركة دير الزور للنفط.
  • الآبار التابعة سابقاً لمشروع حقل «ديرو».
  • بئرا الرشيد في منطقة الكسرة بالريف الغربيّ لدير الزور.
  • مجموعات الآبار التابعة لمحطة الخرّاطة.
  • حقل التيّم.
  • الآبار التابعة سابقاً لحقل الورد.

ويضاف إليها قسم إنتاج الغاز. وهو المسؤول عن معمل غاز كونيكو (إلى جانب كادر إدارة المعمل من الموظفين الحكوميين)، وكذلك عن تشغيل وحدة فصل الغاز المرافقة للنفط في المواقع والمحطّات التي يتمكن الجهاز النفطيّ من تشغيلها.

  • قسم الصيانة: وهو شديد الأهمية في أعمال النفط بشكلٍ عامٍّ. وتتضاعف أهميته في جهاز تنظيم الدولة النفطيّ بسبب ظروف العمل المعقدة والمعزولة عن العالم الطبيعيّ لشركات النفط.

تتركز ورشات الصيانة الرئيسية، التي تقوم بالأعمال الأساسية والكبيرة، في الموقع الرئيسيّ لحقل العمر. ومنه تنطلق في أعمالها اليومية بحسب البرنامج المحدّد والمعطيات المتغيرة، وفي حالات الأعطال التي تعجز فيها الورش الفرعية الصغيرة لكلّ موقعٍ نفطيٍّ.

ويتألف قسم الصيانة، بدوره، بحسب نوع الأعمال، من الأقسام التالية: صيانة الآبار؛ صيانة الأنابيب والخزّانات؛ الصيانة الميكانيكية؛ الصيانة الكهربائية؛ صيانة الأجهزة الدقيقة والمضخات الصغيرة؛ صيانة الآليات.

  • الإدارة المالية أو الجباية: المسؤولة عن الواردات المالية من بيع النفط، وعن نفقات التشغيل والصيانة وأجور العمال والموظفين.

وتتفرّع عنها دوائر الجباية الموزّعة على أساسٍ جغرافيٍّ، والتي تدير شبكةً من المحاسبين في كلّ موقعٍ لبيع النفط، إضافةً إلى العمال المتخصّصين بتحديد حجم الصهاريج، أو ما يعرف بـ«المكيّلين»، الذين يعملون في الآبار المنفردة، وكذلك محرّري الإيصالات والبطاقات المرتبطة بعملية بيع النفط.

  • قسم الآليات: هو القسم المعنيّ بتشغيل الآليات الخفيفة والثقيلة بين مواقع العمل المختلفة.
  • قسم الأعمال المدنية: هو القسم المسؤول عن أعمال الحفر والبيتون وغيرها من أعمال الإنشاءات المختلفة.
  • قسم الحراسات: وهو المسؤول عن توزيع طواقم الحراسة في مختلف المنشآت والمواقع النفطية.

وتضاف إلى الأقسام السابقة وحدة إطفاء الحرائق.

 

الكادر البشريّ:

يجب التمييز بين أربعة أنواعٍ من العاملين في جهاز «الدولة الإسلامية» للنفط في «ولاية الخير».

  • المهاجرون: يحرص تنظيم الدولة على تعيين المهاجرين في المناصب القيادية والحسّاسة، دون اهتمامٍ كبيرٍ بالخبرات الفنية لهم. وباستثناء أبو الوليد المصريّ، المدير السابق لقسم الصيانة في «ولاية الخير»، لم تظهر كفاءاتٌ علميةٌ أو مهاراتٌ لافتةٌ من بين المهاجرين، رغم تقديمهم لأنفسهم على أنهم مهندسون. إلا أن الحقيقة أن معظمهم (إن لم يكن جميعهم) لم يتلقوا أيّ تعليمٍ جامعيٍّ في مجال النفط. وكلّ المعارف المهنية لديهم -إن وجدت- متحصّلةٌ عن عملٍ سابقٍ في إحدى شركات النفط.

فأبو العباس السودانيّ، رئيس قسم الصيانة، على سبيل المثال، فنيٌّ سابقٌ في شركة نفط. وكذلك الحال بالنسبة إلى رئيس الإدارة أبو عبد الرحمن الجزراوي (سعوديّ) الذي يشكك الكثيرون في أنه مهندس نفط.

  • السوريون المبايعون: لم يظهر في صفوف المبايعين لتنظيم الدولة، حتى وقتٍ قريبٍ، أيّ مهندسٍ. وكذلك الحال تقريباً بالنسبة إلى الفنيين المهرة، عدا قلةٍ منهم (أقلّ من عشرة أشخاصٍ) ممن بايع التنظيم. فيما يتركّز العدد الأكبر من السوريين المبايعين في العمال العاديين ذوي الخبرات المحدودة في أعمال النفط.
  • السوريون المتعاقدون: هم الكتلة الأشدّ أهميةً في كادر تنظيم الدولة النفطيّ. وعليهم تقع الأعباء الكبرى في تشغيل وصيانة المنشآت النفطية المختلفة. يبلغ عدد المهندسين المتعاقدين 40 مهندساً، بحسب تقديراتٍ دقيقةٍ. يتقاضى كلٌّ منهم أجراً شهرياً يتراوح بين 200 – 300 ألف ل. س. فيما لا يتجاوز عدد الفنيين المتعاقدين 80 شخصاً. يتقاضى الواحد منهم 120 – 200 ألف ل. س. ويزداد عدد العمال كلما توسّع التنظيم في أعماله النفطية. ولا يقلّ العدد الحالي للعاملين غير المختصّين، بين عمالٍ عاديين ومحاسبين وحرّاسٍ وغيرهم، عن 700 عامل. يتقاضى كلٌّ منهم 75 – 100 ألف ل. س.
  • الموظفون الحكوميون: ما يزال العشرات من موظفي شركة الفرات للنفط في حقل العمر، من مهندسين وفنيين، على رأس عملهم، دون أن يتعاقدوا مع التنظيم، مكتفين برواتبهم من وزارة النفط التابعة للنظام. إضافةً إلى مكافآتٍ متقطّعةٍ يدفعها التنظيم بين حينٍ وآخر لهم، لا تزيد، في أفضل الأحوال، عن 10 آلاف ل. س. وكذلك الحال، وبدرجةٍ أكبر، بالنسبة إلى موظفي معمل غاز كونيكو.

وبالإضافة إلى اعتماد التنظيم على الخبرات العالية للصنفين الأخيرين من الكوادر المحلية، كما هي حاله في كثيرٍ من القطّاعات الخدمية وسواها؛ فإنه يحاول دوماً دفع قيادييه من المهاجرين إلى استنساخ خبرات مرؤوسيهم هؤلاء، الذين لا يضمن ولاءهم واستمرارهم في العمل معه.

 

أهم الأعمال التي حققها جهاز تنظيم الدولة النفطيّ:

نجح التنظيم في تغيير مناخ وطرائق العمل البدائية التي سادت في عهد القوى التي سيطرت قبله على منشآت النفط بدير الزور. ويمكن تحديد نوعين رئيسيين من الأعمال التي حققها التنظيم في قطاع النفط؛ يتعلق الأوّل بالجانب الفنيّ والثاني بالجانب الإداريّ والماليّ.

  • الأعمال الفنية:
  • صيانة وتشغيل محطة معالجة النفط (CPF Central Production Facility) في كلٍّ من موقع حقل العمر وحقل التنك الرئيسيّين.
  • صيانة وتشغيل المحطّات الثانوية (Sub-Stations) التالية: الغلبان؛ الشاهل؛ الطيانة؛ العشارة؛ العزبة. ويواصل الفنيون عملهم في هذا الاتجاه. ويُتوقع تشغيل محطّاتٍ ثانويةٍ جديدةٍ في الأشهر القليلة القادمة.
  • ربط أكثر من 50% من الآبار المنفردة، التي عُزلت في السنوات السابقة عن المحطّات الثانوية بفعل أعمال التخريب المرافقة للاستخراج العشوائيّ للنفط. (يقع بعض هذه الآبار على مسافة عشرات الكيلومترات من المحطات.)
  • إعادة استخدام تقنيات الحقن المائيّ (Water Injection) في المحطتين الرئيسيتين لحقلي العمر والتنك، مع ما يلزم ذلك من أعمالٍ مرافقةٍ، مثل صيانة آبار الحقن (Injector Wells) وتشغيل المضخات وصيانة الأنابيب والمحطات.
  • تشغيل وحدات الغاز والضواغط(Gas Compressors) ، ووحدات فصل الغاز المرافق للنفط الخام واستثماره ( (Separatorsفي كلٍّ من محطتي التنك والعمر الرئيسيتين.
  • مدّ خطّ توترٍ عالٍ (H.V Overhead line)، بطول 11 كم، بين موقع حقل التنك الرئيسيّ ومحطة الغلبان.
  • صيانة خطوط أنابيب النفط والغاز (Pipelines) بين حقلي التنك والعمر. والتي يتجاوز طولها 30 كم، بقطر 16 إنشاً لأنابيب النفط، و8 إنشات للغاز.
  • تشغيل عشرات الآبار الخارجة عن الخدمة.
  • استعمال طريقة القمع المقلوب لإطفاء حرائق الآبار.
  • زيادة المتوسط اليوميّ لإنتاج الغاز المنزليّ إلى 5000 أسطوانةٍ في محطة التعبئة.
  • تحسين مواصفات النفط المنتج بشكلٍ عامٍّ. وذلك بإخضاع النفط المستخرج من الآبار للمعالجة في المحطات المشغلة.
  • الأعمال الإدارية والمالية:
  • رغم كلّ الثغرات في نشاط جهازه النفطيّ، نجح التنظيم في خلق بيئة عملٍ منظّمةٍ إلى حدٍّ كبير. فأسّس إداراتٍ وأقساماً تشبه، إلى درجةٍ كبيرةٍ، الإدارات المعمول بها في شركات النفط.
  • نظّم عمليات البيع. وألغى التعامل بالليرة السورية وحصر البيع بالدولار الأمريكيّ. وقلّص التباين الشديد السابق في الأسعار بين موقعٍ نفطيٍّ وآخر.
  • حرص على استقطاب الخبرات والكفاءات المحلية من موظفي شركات النفط.
  • رغم بعض المظاهر الجزئية لفساد المحاسبين على الآبار المنفردة والبعيدة عن مراكزه النفطية، نجح التنظيم في تقليص مظاهر الهدر على الآبار إلى حدٍّ كبيرٍ.

العوائق والتهديدات في عمل الجهاز النفطيّ للتنظيم

  • مشكلات الصيانة وقطع الغيار: حتى الآن، تغلب الفنيون على مشكلات الصيانة باستعمال قطع الغيار التي كانت مخزّنةً في مستودعات شركة الفرات للنفط. وهي مستودعاتٌ ضخمةٌ جدّاً، وخاصّةً بعد أن أضيفت إليها مستودعات الشركات الأخرى والشركات الخاصّة، فصار المجموع كافياً حالياً لتشغيل مزيدٍ من المحطّات وصيانة الأنابيب والمضخّات والتجهيزات والعدد المختلفة. إلا أن هذه المستودعات ستنفد في النهاية، وخلال ستة أشهرٍ على الأرجح، بحسب ما يقدّر فنيون عاملون الآن في قطاع النفط.

وهو تقديرٌ يدركه مسؤولو التنظيم النفطيون. ولذلك بدأت ورشاتٌ مختصّةٌ، ومنذ أربعة أشهرٍ، بإعادة تأهيل بعض قطع الغيار المستعملة سابقاً، والتي لا يُعاد استعمالها عادةً في أعمال النفط، إلا أن الحاجة المتوقعة إليها اقتضت ذلك.

  • استحالة تصدير النفط والبيع خارج حدود ما يسمّيه التنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا في حالات التهريب التي تضاءلت مع تشدّد الدول الإقليمية. بل ظهرت، في أجزاء من العراق، ظاهرة تهريبٍ عكسيةٌ للنفط من إقليم كردستان، وبيعه بأسعارٍ أقلّ من التي يطلبها التنظيم.
  • هجمات طائرات التحالف: حتى الآن، وبالمعدّل الحاليّ، لا تشكّل هذه الغارات تهديداً جوهرياً لقطاع النفط في «ولاية الخير». فقد نجح التنظيم، إلى حدٍّ بعيدٍ، في التعامل مع هذه الهجمات من خلال ما يلي:
  • إبعاد مواقع البيع عن المنشآت الرئيسية إلى مسافاتٍ قد تزيد عن 5 كيلومتر، عبر أنابيب مدفونةٍ في باطن الأرض، تتفرّع في نهايتها إلى أكثر من 24 منهلاً من الموقع الرئيسيّ لبيع النفط في حقل العمر، و12 منهلاً من الموقع الرئيسيّ لبيع النفط في حقل التنك. وكذلك الحال في بقية المواقع، وفق كميات النفط المباعة في كلٍّ منها. ليكون التأثير الأقصى المحتمل لأية غارةٍ هو توقف البيع لمدّةٍ وجيزةٍ، تنجح خلالها وحدة الإطفاء في إخماد الحرائق، ثم تبدأ ورشات الصيانة عملها، ليكون الموقع جاهزاً خلال وقتٍ قياسيٍّ.
  • تخلى التنظيم عن فكرة تكرير النفط وتشغيل مصافي كبيرةٍ، تاركاً ذلك للأهالي عبر مئات الحرّاقات الصغيرة المتوزّعة في مساحاتٍ جغرافيةٍ شاسعةٍ، بعد أن دمّرت طائرات التحالف المصافي التي استولى عليها من القوى والجهات التي عملت في مجال النفط قبل سيطرة التنظيم على المحافظة.

وتجب الإشارة هنا إلى أن الخسائر البشرية، في كلّ مرّةٍ تهاجم فيها طائرات التحالف مواقع ومنشآت النفط، تركّز معظمها في صفوف المدنيين، سواء أكانوا من العاملين على الآبار أو مناهل البيع، أم من التجار وسائقي السيارات وغيرهم ممن يصادف وجودهم في المواقع المستهدفة.
[لا تتجاوز نسبة عناصر التنظيم 10% من عدد العاملين في كلّ موقعٍ نفطيٍّ استهدفته طائرات التحالف.]

  • تسلّط عناصر التنظيم، ولا سيما المهاجرين منهم، على الخبراء الفعليين من المتعاقدين أو الموظفين الحكوميين. ولا يؤدّي هذا إلى آثارٍ شخصيةٍ من الامتعاض والحنق فقط، بل يتجاوزه إلى أخطاءٍ عمليةٍ كثيرةٍ، حين يصرّ القياديّ المهاجر وقليل الخبرة على تنفيذ قرارٍ يرى الخبراء المحليون أنه خاطئ.
  • التراجع الطبيعيّ في إنتاجيات الآبار، نتيجة انخفاض الضغوطات الطبقية بسبب الاستجرار المتواصل، انتهاءً بنفاد المخزون القابل للاستثمار.