حين أعدمت داعش الطيار الأردنيّ معاذ الكساسبة حرقاً، ونشرت فيديو هذا العمل الوحشيّ، ردّت الحكومة الأردنية بإجراءاتٍ ثأريةٍ، فأعدمت سجينين لديها من منظمة القاعدة، محكومَين بالإعدام منذ سنواتٍ، وشنّت سلسلةً من الغارات الجوّية على مواقع لداعش في مدينة الرقة وجوارها. في إحدى هذه الغارات قُتلت كايلا مولر، الأسيرة لدى داعش منذ سبعة عشر شهراً، كما أعلن التنظيم. ثم أكّد الرئيس الأميركيّ باراك أوباما خبر مصرع مواطنته البالغة من العمر 26 عاماً.
منذ تخرّجها، عام 2009، في جامعة أريزونا، كرّست مولر حياتها لخدمة الناس. فانهمكت في شؤون الإغاثة في دارفور لمدّة ثلاث سنواتٍ، وأسهمت في أعمال عددٍ من الجمعيات الإنسانية لإغاثة المحتاجين في مناطق عدّةٍ عبر العالم. كما عملت في تعليم الأطفال اليتامى في الهند. وبعد عودتها إلى الولايات المتحدة، من أسفارها العديدة، عملت في مركزٍ لإيواء النساء، وفي مركزٍ طبّيٍّ لمعالجة مرضى الآيدز.
مع اندلاع ثورات الربيع العربيّ، سافرت مولر إلى مصر لتعلم اللغة العربية بهدف المساهمة في أعمال الإغاثة في البلدان العربية، حيث تعرفت إلى الناشط السوريّ الشابّ عمر الخاني، الذي ستربطها به علاقة حبٍّ ستدوم حتى نهاية حياتها المأسوية.
عمر الخاني، مثله مثل كايلا، كان يعمل في شؤون الإغاثة وفي التصوير الفوتوغرافيّ. الخاني، الذي عُرف بمعارضته للنظام السوريّ، عاد بعد مدّةٍ إلى دمشق ليواصل عمله الإغاثيّ في الداخل، ويتواصل مع كايلا عبر السكايب. في أواخر عام 2012 اجتمع العاشقان مجدّداً في اسطنبول، حيث سكنا إحدى شقق المدينة، وطرقا أبواب المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية لتأمين المساعدات للاجئين السوريين. وعلّمت كايلا أطفال مخيم كلس الرسم.
كانت كايلا وصديقها السوريّ على تواصلٍ مع منظمة أطباء بلا حدود، عبر فرعها الإسبانيّ. وفي آب من عام 2013، اجتازا الحدود باتجاه حلب للمساعدة في حلّ مشكلة اتصالاتٍ في مركز المنظمة في المدينة. أمضيا ليلةً في حلب، ثم ركبا سيارةً في الصباح قاصدين معبر باب الهوى. لكن مجموعةً مسلحةً تابعةً لتنظيم الدولة أوقفتهما على الطريق واحتجزتهما.
تم إطلاق سراح عمر بعد نحو شهرين، في حين احتفظ التنظيم بكايلا التي أمضت في الأسر نحو سنةٍ ونصفٍ إلى حين مقتلها. في غضون ذلك أرسل التنظيم فيديو مصوّراً لكايلا إلى أهلها، وطالبهم بدفع فديةٍ ضخمةٍ (6 ملايين وستمئة ألف دولار). بعد انقضاء شهرٍ من المفاوضات التي لم تفضِ إلى نتيجةٍ، انقطعت أخبار كايلا تماماً، ولم يعد التنظيم يردّ على اتصالات أهلها.
تشير بعض المعلومات الصحفية إلى قيام قوّاتٍ خاصّةٍ أميركيةٍ بعمليةٍ استخباراتيةٍ فاشلةٍ لتحرير كايلا. حين وصلوا إلى المكان وجدوه فارغاً، من المحتمل أن التنظيم نقلها إلى مكانٍ آخر، بالنظر إلى بقايا من شعرها عثروا عليها هناك.
بعد إطلاق سراحه بمدّةٍ قصيرةٍ، عاد عمر الخاني إلى الداخل على أمل إقناع التنظيم بإطلاق سراح حبيبته. وقد قال لهم إنها زوجته، ظناً منه أن مقاتلي داعش قد يتساهلون مع امرأةٍ غير مسلمةٍ متزوجةٍ من مسلم. قام المسؤول الداعشي باستجواب كايلا بشأن علاقتها مع عمر، فخافت أن يصيبه مكروهٌ وقالت إنه خطيبها وليس زوجها، رغم وجود اتفاقٍ مسبقٍ بينهما على التظاهر بأنهما متزوّجان، إذا وقعا في موقفٍ من هذا النوع.
وهكذا رُدّ عمر على أعقابه، وبقيت كايلا في الأسر إلى حين أعلنت داعش عن مقتلها في غارةٍ للطيران الأردنيّ على مدينة الرقة.