مشكلة التنمر تُرهق الأطفال السوريين وتُبعدهم عن المدارس التركية

Emma Nostrom

تقول الطفلة آية إن زملاءها الأتراك في المدرسة التركية بالريحانية كثيراً ما يسألونها بأن تهديهم شيئاً ما من أدواتها المدرسية، «وإن لم أفعل ذلك فإنهم يأخذونها عنوة، والأستاذ لا يستجيب لشكواي».

يمثل هذا السلوك النموذجَ السائد للتنمر، والذي يُعرّف على أنه شكل من أشكال الإساءة والإيذاء، موجّهٌ من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف (في الغالب) جسدياً. وهو من الأفعال المتكررة على مر الزمن وفي مختلف المجتمعات، والتي تنطوي على خلل في ميزان القوى، قد يكون حقيقياً أو مُتصوراً بالنسبة للطفل ذي القوة الأكبر، أو بالنسبة لمجموعة تهاجم مجموعة أخرى أقل منها في القوة.

وتزداد ظاهرة التنمر في حال وجود مُكوّن اجتماعي أقلّوي أصيل أو وافد إلى المجتمع المدروس، كما في حالة الأطفال السوريين في المدارس التركية. وتختلف أسبابها -أي ظاهرة التنمر- وتتفاوت خطورتها ابتداءً من توجّه اجتماعي عام برفض المجتمع «الدخيل»، وانتهاءً بمشاكل الأطفال الاعتيادية في ما بينهم.

تيم طالب في الصف الخامس يتعرض بشكل يومي للتنمر الجسدي في مدرسته؛ في ما حاولت والدته جاهدة حل المشاكل مع المدير والكادر التعليمي، لكنها أُصيبت بالخيبة لاصطفافهم مع الطلبة الأتراك. تقول والدة تيم: «بعدما فقدت الأمل من استجابة المدير والمدرسين لحل مشكلة تيم، حاولت نقله إلى مدرسة أخرى، لكن القوانين التركية ترفض تسجيل الطالب بمدرسة خارج حيّه، فانتقلنا إلى حي آخر، وسجّلته في مدرسة الحي الجديد. وبعد أيام قليلة عاد تيم من المدرسة وقد تعرض للضرب، فذهبت وقابلت المدير الذي تعاطف مع تيم ووعد بحل المشكلة، لكن زملاء تيم لم يستجيبوا، واستمروا بمضايقته وضربه أحياناً، فطلبت من المدير عقد اجتماع أولياء أمور لحل المشكلة مع أهالي الطلاب، لكن المدير اعتذر، وقال كلاماً باللغة التركية مفاده بأن المشكلة في أهالي الطلاب وانتقلت لأبنائهم! وختم كلامه بـ (أدب سيز)». في حادثة أخرى رفض مدير إحدى مدارس كيليس تسجيل أحد الطلاب السوريين، وعندما سألته والدة التلميذ عن السبب، صرخ بوجهها: «أرغب بتخفيف عدد الطلاب السوريين في مدرستي، ولو كان الأمر عائداً لي لما أبقيت طالباً سورياً فيها».

يشي الشاهدان السابقان بوجود مشكلة عند شريحة غير صغيرة في المجتمع التركي تجاه السوريين ككلّ، قد تكون ذات مرجعية اقتصادية متعلقة بغلاء الأسعار وإيجارات المنازل. بينما يذهب قسم من الأتراك إلى أن أبناءهم يُقاتلون بالنيابة عن السوريين في الشمال السوري، ما يزيد من شحنِ الأبناء في المنازل، والذين يترجمون بدورهم هذه الشحنات بالسخط على الطلاب السوريين في المدرسة. وفي المقابل لا تلقى الأصوات العقلانية من الكوادر التعليمية والأهالي الأتراك آذاناً صاغية.

قد تعود مشكلة التنمر إلى شخصية المدرس المعتلة أصلاً، الأمر الذي لم يعدم السوريون مثاله في المدارس السورية قبل 2011، ويواجهه بعض الطلاب الآن في تركيا، كما في حالة محمد، الذي حرضت معلمته الطلاب على فتح حقيبته وإلقاء محتوياتها على الأرض. كما قد تعود إلى غيرة الطلاب الأتراك من الطالب السوري المتفوق كما حدث مع إسلام: «كلما أجبت عن سؤال المعلم، يعاملوني بطريقة سيئة. وكلما رفعتُ يدي للإجابة ينهرونني ويأمرونني بأن أُخفضها، ويسخرون مني عندما أتكلم التركية».

وتتفاقم مشكلة التنمر عندما لا يستطيع الطالب السوري شرح مشكلته باللغة التركية للإدارة، بينما يلتف الطلاب الأتراك على الحقيقة بسهولة لامتلاكهم اللغة، وفي مثل هذه الأجواء يصبح التنمر قاعدة لقياس مدى تركيّة الطالب التركي المسالم، الذي ينضم إلى الفريق المتنمِّر ليبرهن على أصالته.

وفي ظل غياب القوانين والإجراءات الرادعة للتنمر، فقد الأهل الحيلة لحل مشاكل أبنائهم، وبدأ الطلاب السوريون يتهربون من الذهاب للمدرسة، كما حدث مع مصطفى الذي باءت كل محاولاته مع أطفاله بالفشل، بما في ذلك تدخّل إحدى المنظمات لدعمهم وإعادتهم إلى المقاعد الدراسية. وعندما سُئلوا ماذا ستفعلون؟ أجابوا: «نود البقاء في البيت حتى تهدأ الأوضاع في سوريا، ونعود الى ديارنا ومدارسنا».

وتيم الذي أصبح يذهب كل بداية أسبوع إلى المدرسة الجديدة، يتعرض للمضايقة والضرب ويعود، وتمضي والدته بقية الأسبوع في محاولة حل المشكلة-بات يكره المدرسة، ويحاول جاهداَ خلق الأعذار كي لا يذهب إليها، مردداً: «أنا ما بحب المدرسة».