مشاهد من أبو حمام تحت الاحتلال يطلق عناصر داعش النار على الأبقار الهائمة على وجوهها وعلى الدجاج

سلب أبناء عشيرة "الشعيطات" بعد اعتقالهم

"ببيت بأبو حمام، كان بي جثة متفسخة. فتّشها عنصر داعش وطلّع الهوية. قرا منها الاسم وكان فيصل. رماها وصار يدعسها برجله ويقول: لا تواخذني فيصل، ريحتك طالعة"!

هذه واحدةٌ من الصور القليلة التي ينقلها شهودٌ من مدينة أبو حمام، إحدى البلدات الثلاث التي يسكنها أبناء عشيرة الشعيطات في ريف دير الزور الشرقيّ. وهي البلدة التي دفعت الفاتورة الأكبر لتوحّش مقاتلي داعش. وإلى اليوم، وبعد أكثر من ستة أشهرٍ على النزوح القسريّ لسكان أبو حمام، يرفض قادة داعش عودة المهجّرين إلى بيوتهم. وإلى اليوم كذلك يتعذّر تحديدٌ دقيقٌ لأعداد وأسماء الضحايا من المدنيين الذين أعدموا داخل البلدة أو خارجها. لكن الشهادات المتسرّبة من هناك تتحدّث عن إمكانية العثور على جثثٍ في البيوت والشوارع والسواقي ومجاري الصرف الصحيّ، وفي كلّ مكانٍ داخل المدينة. ويبدو، بحسب هذه الشهادات، أن عناصر داعش لم يبذلوا جهوداً منظّمةً لدفنها. يقول رجلٌ طلب إغفال التعريف به، أو ذكر الكيفية التي دخل فيها إلى أبو حمام برفقة عناصر داعش: "من شبّاك غرفة عالشارع، شفتو ولد صغير حاشر حاله بين خزانة والحايط. كان متغبّي على ما يبدو لفترة طويلة، وكان متكوّر على حاله. وكان ميّت وجسمه متفسّخ". حتى وقتٍ قريبٍ، يضيف الشاهد: "كان خندق الري مليان بالجثث".
قلةٌ من البيوت -التي يزيد عددها بالأصل عن الأربعة الآلاف، بحسب تقديرات سكانٍ من أبو حمام- حافظت على محتوياتها وسلمت من النهب. إذ اعتبرت جميع الممتلكات بأشكالها المختلفة، من محتويات البيوت إلى المواشي والآليات والموادّ والبضائع المخزنة في المحلات والمستودعات، غنيمة حربٍ، نقلت أجزاءٌ منها إلى مواقع وإلى مدنٍ مختلفة، وبقيت أجزاءٌ أخرى في مكانها عرضةً لعبث وتسلية الحرّاس من عناصر داعش. فيمكن أن تشاهد كؤوساً وأواني ملقاةً في عرض الطريق، بعد استعمالها من قبل هؤلاء الحرّاس لمرّةٍ واحدة. ويمكن أن تخرج أجزاءٌ من غرف النوم إلى الشارع. ويمكن اليوم لأيّ عنصرٍ في داعش، يريد تأثيث منزله، أن يشتري بطاقةً خاصّةً بمبلغ 500 دولار، ليحمل ما يشاء من "غنائم الأثاث المنزليّ" المخزّنة في مواقع عدّةٍ تحت سيطرة التنظيم، يأتي حقل العمر النفطيّ في مقدّمتها.
ورغم ما نال الثروة الحيوانية في أبو حمام من سرقةٍ منظّمةٍ، وقعت بتغطيةٍ من فتوى أطلقها شرعيو داعش بإباحة "أموال المرتدّين" من سكان هذه المدينة ذات الطابع الريفيّ، ما تزال مئاتٌ من رؤوس البقر هائمةً على وجوهها في الحقول والأراضي الزراعية القريبة. ونظراً لتفلّتها الطويل خارج حظائرها، بعيداً عن أيّ تدخلٍ بشريٍّ للعناية بها، أصيبت هذه الحيوانات الأليفة بنوعٍ من التوحش يُصعّب قيادها أو الاقتراب منها، مما خلق تسليةً إضافيةً لعناصر داعش، سواءً منهم الحرّاس المقيمين أم الزوار الباحثين عن التمتع بإطلاق النار على أرجل هذه الأبقار لتسهيل الإمساك بها قبل ذبحها. أما الدجاج، الذي ابتعد عن صفته كدواجن منصاعةٍ لمربّيها، واقترب من صفاته الأصلية كطيورٍ لا تكفّ عن رفرفة أجنحتها من شجرةٍ إلى أخرى دون أن تنزل إلى الأرض؛ فقد شكّل هو الآخر هدفاً سهلاً لنيران داعش.
قبل الثورة، كان عدد سكان أبو حمام يقارب 40 ألف نسمة. نقص هذا العدد ألفاً أو ألفين بعد مذابح الصيف الفائت. وقبل الثورة أيضاً كان السكان حريصين على بناء منازل فخمةٍ، مستفيدين من بحبوحةٍ كانت توفّرها تحويلات أقاربهم العاملين في الخليج. سيفوق عدد السكان العدد السابق عبر المواليد الجدد، وسترمّم الحجارة في البيوت، "لكن الأهوال التي مرّوا بها لن تُمحى من الأنفس لسنواتٍ طويلة"، بحسب ما يقول كبار السنّ النازحون في قرىً بعيدةٍ وقريبةٍ بانتظار أن يُسمح لهم بالعودة، وبأيّة شروطٍ ستفرضها داعش، كما فعلت في البلدتين الشقيقتين الكشكية وغرانيج.
في البادية، أو في القرى المجاورة، تُكتشف، بين حينٍ وآخر، قبورٌ جماعيةٌ أو فرديةٌ دُفن فيها، على عجلٍ، قتلى من أبناء أبو حمام. تحمل أخبار هذه المقابر مزيداً من القهر ومن الألم للأهل، إذ تنكأ الجراح في كلا الحالتين؛ إن كان الابن أو الأخ أو الأب المفقود بين من يُعثر عليهم في المقابر، أو أن يبقى مجهول المصير.