جانب من سوق الميادين | عدسة عبود | خاص عين المدينة
مدينة الميادين في رمضان
تفــــاؤلٌ رغـم كل شيء، والـــثورة حاضرةٌ على موائد الافطار
عاد شهر رمضان هذا العام إلى الميادين بحلّةٍ جديدةٍ تختلف عن الأعوام السابقة، فالأفكار تغيّرت والمفاهيم تبدّلت بفعل الظرف الجديد الذي أصاب المدينة، ألا وهو تحريرها. وقع هذا الشهر الفضيل اليوم يختلف عما مضى اختلافاً كلياً لدى أهل المدينة وثوارها والوافدين إليها. فرمضان الفائت كان صعباً، إذ شهد معارك التحرير وعمليات قصفٍ انتقامية من قبل قوات النظام.
عين المدينة كانت لها وقفة خاصة مع رمضان، فكانت موجودة في الأسواق مع الناس وعلى موائد الإفطار برفقة الثوار ومع مشاكل النازحين، تلك الشريحة الجديدة في مدينة الميادين.
رمضان الحرية
في أسواق الميادين تجولنا لنرى وقع رمضان لدى الناس. مشاكل كثيرة، من ضمنها الحرب والغلاء، لم تمنع أهل المدينة من ممارسة طقوسهم الرمضانية المعتادة. قبل الإفطار تكون الأسواق مليئة بالمارة والبائعين والمشترين، وتعج الشوارع بمن خرج ليستمتع بأحد مشاهد رمضان، وعلى ضفاف نهر الفرات تشاهد شباباً ورجالاً أزعجهم قيظ الصيف فتوجهوا للسباحة قبل الإفطار، علّها تخفف عنهم وطأة العطش وتعب الصيام.
أحد رجال المدينة كان يقف أمام باب منزله، منتظراً صوت المؤذن ليعلن له نهاية انقطاعه الطويل عن لفافة التبغ. سألناه عن شعوره برمضان هذا العام فأجابنا بكلمتين بليغتين: "إنه رمضان الحرية".
رمضان النصر
وعلى مائدة الإفطار في منزل أحد ناشطي مدينة الميادين كان هناك رمضان آخر، نقاشاتٌ سياسيةٌ وثوريةٌ ودّيةٌ بين ناشطين ومقاتلين من توجهاتٍ سياسيةٍ مختلفةٍ، جمعتهم الثورة وفرّقتهم توجهاتهم، بينما لمّتهم مائدة الإفطار.
فكرة جديدة يناقش محمود، أحد ناشطي حركة بلدنا الشبابية، ضيوفه فيها. مشروعٌ رمضانيٌ لهذه الحركة التطوعية، يهدف إلى تذكير الناس بأن شهر رمضان هو شهر المحبة والتسامح والصدق والعمل الحسن، وذلك عن طريق الرسم على الجدران (فن الغرافيتي) والحملات الدعائية. لاقت الفكرة موافقة الغالبية، وتهافتت الاقتراحات والتعديلات ليتكامل المشروع.
أحد مقاتلي الجيش الحر كان حاضراً في هذه الجلسة الرمضانية فبدأ بالتحدث عن الانتصارات وتقدم الجيش الحر في بعض الجبهات. وختم كلامه بعبارةٍ قد يكون فيها إفراط بالتفاؤل، لكن يتلهف لحصولها الشعب السوري بأكمله، حين قال: "بإذن الله سيكون رمضان النصر.. وفي العيد الفرحة فرحتين".
رمضان الأمل
برفقة أحد الناشطين الإغاثيين، وضمن حملات إفطار النازحين، دخلنا إلى مدرسة تأوي عشرات العوائل النازحة من مختلف المحافظات، فوجدنا ابتساماتٍ ترحيبية بريئة على وجوه الأطفال، وسيولاً من الهموم والمشاكل لدى الأهالي، فمنهم من يصوم شهر رمضان للمرة الثانية خارج منزله، ومعظمهم لم يعتدْ هذه الحالة بعد. ظروف معيشية صعبة تعيشها أكثر من عشرين عائلة في هذه المدرسة وغيرها من مراكز إيواء النازحين. الجمعيات الإغاثية تحاول جاهدة سدّ حاجتهم، ومعها بعض أهل الخير، ولكن تزايد أعداد الوافدين وطبيعة شهر رمضان تشكل عائقاً لهم.
أبو خالد، أحد المقيمين في المدرسة، وهو من سكان حي الجبيلة بدير الزور، فقد منزله ولكنه صمم على ألا يدك اليأس مضجعه، فأجابنا عن رأيه برمضان هذا العام قائلاً:" أنا متفائل بأن هذا الشهر سيحمل لنا الفرج".
رمضان الخير
وفي وسط المدينة نصبت خيمة لإقامة موائد إفطار الصائمين من الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، تجدها تعكس ما في داخل أهل المدينة من خيرٍ وحسن ضيافة. حتى لو عبست الأيام في وجه السوريين، وأمطرتهم الحرب هموماً ومآسي، وحتى لو أُمسكت عنهم البسمة، سيبقى شهر رمضان بالنسبة إليهم شهر الصفاء والتراحم والإحسان. وإن شهر رمضان في مدينة الميادين لهو خير دليلٍ على أن هذا الشهر الفضيل يبقى دائماً شهر الخير.