من ضحكات الأطفال.. تشرق شمس الغد
في أحدث تقاريرها ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في دول الجوار هم من الأطفال. وقال التقرير إن "الصراع المستمرّ منذ خمس سنواتٍ تسبّب في تدمير حياة ملايين الأطفال والأسر، وأجبر الملايين على الفرار من ديارهم، في بلدٍ أصبح الآن خراباً ويعيش فيه حوالي نصف مليون مواطنٍ تحت الحصار، ويحتاج فيه 7.6 مليون طفلٍ إلى المساعدة".
بين طفولة الصغار وقتال الكبار نشأ جيلٌ عاش الحرب بكلّ لحظاتها، من قصفٍ وحصارٍ ونزوح، فانعكس كلّ هذا عليهم، ليترجم في سلوكاتٍ وردود أفعال. "الطمّيمة" وكرة القدم المصنوعة من القماش ألعابٌ كانت منتشرةً بين الأطفال في جميع المحافظات السورية، لتأتي الحرب وتغيّر شكل الألعاب ومضمونها. ففي المناطق المحرّرة يصنع الأطفال ألعابهم من الخشب على أشكال أنواعٍ مختلفةٍ من الأسلحة التي تستخدم في البلاد، كالبارودة الروسية والمسدّسات، بالإضافة إلى "النقيفة"، وهي أنبوب مياهٍ يوضع في نهايته بالون، ليدفع الحجر بقوّةٍ خارج الأسطوانة ويصيب الشخص المقابل لها. تقول سماح: "يميل ابني محمد (4 سنوات) في اختيار ألعابه إلى الأسلحة البلاستكية دائماً. ومع عدم موافقتي على شرائها له إلا أنه يصرّ على اقتنائها". وتضيف: "أثناء لعبه مع إخوته أو أبيه يستخدم كلماتٍ مثل "شبّيح" و"مندسّ"، وكثيرٍ من الألفاظ التي يتعلمها من رفاقه أو من التلفاز. وباءت كلّ محاولاتي لإبعاده عن تأثيرات الحرب بالفشل.
وتدلّ ردود أفعال الأطفال على حالتهم النفسية. فحسب تقديرات منظمة اليونسيف هناك حوالي 2 مليون طفلٍ سوريٍّ يحتاج إلى الدعم النفسيّ والعلاج السلوكيّ بعيداً عن الأدوية، ودروس رسمٍ لتفريغ ما يجول في دواخلهم. تقول أم فادي من إدلب ضاحكةً: بعد تحرير المدينة دخل إلى منزلنا جهاز لاسلكي (القبضة) لرصد مكان الطائرة وأخذ الحذر بالاختباء في الطوابق السفلية. وفي أحد الأيام كان فادي نائماً فاستيقظ وهو يردّد: "الحربي نفذ يا شباب انتبهوا... الحربي نفذ يا شباب انتبهوا"، وهي كلماتٌ يسمعها يومياً من القبضة.
عودة الأطفال إلى مقاعد الدراسة هي إحدى طرق العلاج، لإشغالهم عن نار الحرب بالتعليم والمطالعة والرسم والغناء. ولكن حوالي المليون طفلٍ غير قادرين على العودة إلى المدارس، و400 ألفٍ آخرين يواجهون خطر الخروج منها، حسب تقرير اليونيسيف الذي تحدّث عن المدارس المدمّرة أو تلك التي تستخدم كملاجئ. وقد تصدّرت محافظة إدلب المركز الأوّل بأكثر من نصف مدارسها، لتأتي بعدها حلب.
وبعد تحرير مدينة إدلب، في 28 من آذار الماضي، أغلقت جميع مدارسها بسبب هجرة عددٍ كبيرٍ من الأهالي من المدينة خوفاً من القصف الجويّ. فابتعد الأطفال عن منازلهم ومدارسهم، ليعودوا بعد انقطاع ستة شهور. إذ قامت مديرية تربية إدلب المحرّرة بإجراء مسابقةٍ للمعلمين لجميع الاختصاصات، في 5 أيلول الماضي، لسدّ الشواغر في المحافظة وريفها. وفي مقابلةٍ مع مدير التربية قال الأستاذ جمال شحود: "لدينا منحةٌ ماليةٌ لتوظيف 2658 معلماً ومعلمة، وزيادة نسبة المدارس في قرىً لم يتمّ افتتاح مدارس فيها من قبل. إذ كانت مديرية التربية تغطّي 132 مدرسةً، ووصل العدد اليوم إلى 250 مدرسة". وأضاف أن هناك تعاوناً بين مديرية التربية في محافظة إدلب الحرّة ومديرية التربية التابعة للنظام لتغطية الشواغر في جميع المحافظة، مؤكّّداً أنه علينا جميعاً أن نتعاون للنهوض بالتعليم. وذكر أن الحكومة السورية المؤقتة وعدت بتغطية جميع احتياجات المحافظة من الكتب المدرسية، إلا أنها لم ترسل لمديرية إدلب شيئاً حتى الآن، علماً أن المديرية مستقلةٌ وغير تابعةٍ لأيّ جهة.
تقول رانيا، وهي مديرة إحدى المدارس الخاصّة في المحافظة: "من المصاعب التي تواجهنا مع عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة زيادة نسبة العنف والمشاجرات مع رفاقهم لأسبابٍ بسيطة. بالإضافة إلى حالات الخوف من أيّ صوتٍ يصدر في الخارج، والبكاء المفاجئ، والرغبة في العودة إلى المنزل". وأضافت: "أغلب أحاديثهم تدور حول القصف والمعارك".
ومع جميع المخاطر النفسية والتعليمية التي تحيط بالأطفال، إلا أن صوت ضحكاتهم يبقى هو المسيطر الوحيد على نفوس الأهالي الآملين بغدٍ مشرقٍ لا مكان فيه للقصف ولا للطائرات.