- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
محكمة اعزاز المركزية
في جميع المناطق التي خرجت عن سيطرة الأسد برزت حاجة ماسّة إلى إنشاء محاكم تفصل بين الخصوم وترد المظالم، وتقوم على إمضاء عقود الزواج والطلاق والبيع والشراء وغيرها. محكمة اعزاز المركزيّة إحدى هذه المحاكم التي سنتعرف إليها في هذا العدد.
مرحلة التأسيس
منتصف 2012، وبعد تحرير مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، ونظراً لضرورة وجود جهة قضائية تحل محل المحاكم النظامية؛ تداعى عدد من خريجي وطلاب كلية الشريعة للتصدي لهذه المسألة، فأسسوا الهيئة الشرعية في مدينة اعزاز، التي كان يسيطر آنذاك عليها لواء عاصفة الشمال التابع للجيش السوري الحر، مع وجود ضئيل للواء عمرو بن العاص الذي كان يقوده أحمد عبيد وبايع جبهة النصرة في ما بعد، والذي لم يكن راضياً عن الهيئة لأنها لم تكن «تحكم بالشرع» من وجهة نظره. بدأت الهيئة بممارسة عملها كسلطة أمر واقع، ولم يكن جميع القائمين عليها آنذاك أصحاب اختصاص وخبرة، ورغم ذلك فاقت إيجابياتها سلبياتها. وفي آب 2013 ضجّت المدينة بنبأ اغتيال رئيسها، الشيخ يوسف عشّاوي، بمسدس كاتم للصوت أمام منزله، وهو أحد الوجوه الثورية البارزة في اعزاز، ليعقبه الشيخ وليد العريّض، وهو يحظى أيضاً بسمعة حسنة وقبول لدى أهل مدينته. لم يطُلْ بقاء العريّض في منصبه حتى لحق بصديقه الشيخ يوسف، إذ قضى في شباط 2013 في معركة «سيفات» التي استجاب فيها لدعوات النفير العام على خلفيّة هجوم عنيف شنّته قوات النظام.
عقب سيطرة تنظيم دولة العراق والشام على اعزاز في تشرين الأول 2013 توقّف عمل الهيئة بشكل كامل، إلا أنها سرعان ما عادت إلى العمل بعد انسحاب التنظيم أواخر شباط 2014.
مراحل تطورها
كغيرها وجدت الهيئةُ نفسها عاجزةً عن الاستمرار ما لم تملك مقومات قضائية حقيقية، إذ لا بدّ من وجود أحكام وتشريعات مقنّنة ومفصّلة لتبت في القضايا، الأمر الذي دفعها إلى تطوير عملها وآلياتها، فاعتمدت القانون العربي الموحد المستمد من الشريعة الإسلامية، وهو قانون مبوب ومقسّم على مواد شرعية قانونية، ولا يعتمد على مذهب فقهي واحد، فضلاً عن صدوره من جامعة الدولة العربية والاعتراف به من قِبَلها؛ لتصبح الهيئة تابعة لمجلس القضاء الأعلى ويتحوّل اسمها إلى المحكمة المركزية.
يقول رئيسها الحالي، مصطفى سلطان، في لقاء مع «عين المدينة»: «تحترم المحكمة التخصّصات القضائية وتفصل بينها. ولديها عدة محاكم؛ كمحكمة الجنايات، ومحكمة جزائية، وجهاز نيابة، وجهاز تحقيق، وتحوي أيضاً محاكم مدنية وأحوال شخصية ومعاملات مالية. كما أنها تضم 36 قاضياً في شتى الاختصاصات، ولديها 43 موظفاً ومساعداً عدلياً، فيما يتبع لها 60 عنصراً كعناصر ضابطة في الشرطة القضائية».
بدوره يقول المفتش القضائي في المحكمة محمد زيتون (75 عاماً قضى 30 منها في ممارسة المحاماة) إن المحكمة تعدّ نموذجاً لقصر عدلي مصغر؛ لاحتوائها على أقسامٍ واختصاصات كمحكمة التمييز (النقض) التي لا توجد إلا في القصر العدليّ ضمن محاكم المحافظات الكبيرة.
تعرّض حاجز المحكمة في العام الماضي لهجمات متعددة لم يُعرف المسؤول عنها، إلا أن مصادر تشير إلى أن المتهمين غالباً هم بعض المنتفعين الذين تضرروا من قرارات المحكمة التي تسعى جاهدة إلى تطويق المهرّبين ومنع التجاوزات أو الاعتداءات في المدينة.
وفي ظهيرة السابع من كانون الأول المنصرم ضربت شاحنة تحوي أطناناً من المتفجرات مبنى المحكمة، إذ تمكن السائق الانتحاريّ من صَدْم الحاجز الحديدي الواقع قبل المحكمة بسرعته الشديدة، وبعد تجاوز الحاجز بأمتار انفجرت الشاحنة لتحدث مجزرة مروّعة.
وتشير الوثائق والإحصاءات التي حصلت «عين المدينة» على نسخة منها إلى أن 48 شخصاً موثّقين بالاسم استُشهدوا جرّاء التفجير، 33 منهم مدنيون بينهم نساء وأطفال ونازحون من العراق، فيما فقدت المحكمة 15 من كوادرها من أبرزهم الشيخ أسامة الجاسم والقاضي يوسف الحسن. أما المصابون فقد بلغ عددهم 166 شخصاً، عولج 86 منهم داخل سورية ونقل البقية إلى المشافي التّركيّة. ووثّق الإحصاء أيضاً أسماء 7 مفقودين تحولت أجسادهم إلى أشلاء ممزّقة، فيما تقول مصادر أخرى في المحكمة إن عدد الضحايا تجاوز العدد أعلاه نظراً لعدم التعرف على العديد من الجثث.
من جهة أخرى تعرض مبنى السرايا، الذي يقع وسط سوق اعزاز وتتخذه المحكمة مقراً لها، لأضرار مادية بالغة خرج بموجبها عن العمل بشكل كامل، وهو مبنى أثري بناه الفرنسيون خلال الانتداب، الأمر الذي دفع الخارجية الفرنسية إلى إصدار بيان استنكار لهذه «الجريمة الإرهابية».