- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
متحف معرّة النعمان: قصفه الأسد بعد أن حوّله إلى مقرٍّ عسكريٍّ لقوّاته!
لم يكن مراد باشا الجلبي يعلم، عندما بنى عام 1595م خاناً سُمّي باسمه لاحقاً، أن هذا البناء الذي صمد منذ العهد العثمانيّ سيكون مصيره التدمير بطيران الأسد وحلفائه.
أدّى خان مراد باشا عدّة وظائف، فكان محطة استراحةٍ وفندقاً وتكيةً لإطعام المسافرين وأبناء السبيل. كيف لا وهو يقع في مدينة معرّة النعمان في محافظة إدلب، على طريق قافلة الحجّ المتجهة من إسطنبول إلى الحرم المكيّ مروراً بدمشق التي يبعد عنها حوالي 280 كم، وعن مدينة حلب 80 كم. ومنذ عام 1987 أصبح الخان متحفاً جُمعت فيه كل المكتشفات الأثرية التي عُثر عليها في المنطقة. وتُعرض فيه أيضاً 1600 م2 من الفسيفساء، بالإضافة إلى 400 م2 تم تخزينها في المستودعات، ليصبح أهمّ متحف فسيفساءٍ في منطقة الشرق الأوسط والثاني عالمياً. المتحف ثكنةٌ عسكريةٌ ومقرّ اعتقال يشير قيس أبو النصر، وهو ناشطٌ إعلاميٌّ من مدينة معرّة النعمان، إلى أن النظام السوريّ حوّل المتحف، بين عامي 2011 و2012، إلى ثكنةٍ عسكرية، فيقول: «اقتحم جيش النظام مدينة معرّة النعمان عام 2011 ليقمع مظاهراتها التي كانت سلمية تماماً، وأصبحت المنطقة الواقعة بين المتحف والسرايا مربعاً أمنياً يصعب اختراقه. ولم ينته الموضوع هنا، بل قام أيضاً بوضع قنّاصٍ على سطح المتحف، رصد معظم الطرق الرئيسية ومنها سوق الخضار، وعمل على تقطيع أوصال المدينة وفرض حظر التجوّل ليلاً». ويرى أبو النصر أن هذا القناص هو المسؤول الأول عن كل الشهداء المدنيين الذين قًتلوا في تلك الفترة. ويضيف: «لم يكتف النظام، بذلك بل أصبح المتحف مكاناً لاعتقال الأهالي واحتجازهم وتعذيبهم، نظراً لقرب الحواجز الأمنية منه». وبعد حوالي العام تمكّن الثوار من تحرير هذا المربع الأمنيّ. وبمجرد دخولهم المتحف فوجئوا -وهم أبناء المدينة- بأنّ معظم الخزائن التي كانت تحوي قطعاً ومكتشفاتٍ أثريةً خفيفة الوزن وصغيرة الحجم قد اختفت. وتضاربت الأنباء إن كان النظام قد نقلها إلى دمشق أو أن عناصره قاموا بسرقتها. الأسد يقصف المتحف بعد تحرير المتحف أصبح تحت حماية المجلس العسكريّ، ثم استلم حمايته لواء شهداء معرّة النعمان الذي غيّر اسمه ليصبح «جبهة أنصار الإسلام». كان وجود جهةٍ تحمي المتحف ضرورياً، منعاً لسرقته أو الاعتداء عليه والعبث بمحتوياته، وخصوصاً الصلبان التاريخية التي ما زالت موجودةً حتى هذه اللحظة. يقول لنا أحد المقاتلين الذين التقيناهم في المتحف: «نحن بضعة عناصر من أبناء المنطقة، ومهمتنا هنا هي حراسة المتحف من أيّ اعتداءٍ أو محاولةٍ للسرقة. لم ولن نجعله مقرّاً عسكرياً كيلا نعطي مبرراً للنظام لقصفه. الحفاظ على المتحف وعلى التراث أولويةٌ بالنسبة إلينا، ولن نسمح لأحدٍ بإيذاء آثارنا وحضارتنا. وقد حافظنا على المتحف وقمنا بحمايته طيلة الأعوام السابقة من كلّ شيءٍ عدا قصف الطيران الأسديّ!». تعرّض المتحف للقصف عدّة مرّاتٍ، كان آخرها منذ أيامٍ حين استهدفته غارةٌ جويةٌ ألحقت أضراراً به وبعددٍ من المباني المجاورة. التقينا أبو محمد، وهو من أهالي المنطقة ويسكن في منزلٍ قريبٍ من المتحف، فقال لنا: «قام النظام باستهداف المتحف عدّة مرّاتٍ كان أشدّها قبل عامٍ في شهر حزيران 2015. أذكر أنّ الطيران المروحيّ قام وقتها بإلقاء برميلين متفجرين سقطا في باحة المتحف مما أدّى إلى أضرارٍ كبيرةٍ فيه، وخصوصاً في الجامع والمكتبة الواقعين في وسطه». وقد أدانت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ما تعرّض له المتحف عام 2015 وقالت: «إنني أشعر بأسىً شديدٍ للخسائر التي لحقت بالمتحف». وناشدت بوكوفا كافة الأطراف باحترام وحماية التراث الثقافيّ في سورية، فقد ارتفعت مستويات التدمير ارتفاعاً كبيراً، على حدّ قولها. لوحات الفسيفساء بخير! ما السبب؟! بعد تعرّض المتحف للقصف أول مرّةٍ تضافرت الجهود بين المجموعة المسؤولة عن حمايته وبعض المختصّين وأهالي المدينة، فقاموا ببعض الإصلاحات والترميم، بالإضافة إلى تغطية لوحات الفسيفساء بالقماش، وتكديس أكياس الرمل بجانب اللوحات الجدارية وفوق اللوحات الأرضية، لتخفيف الضرر في حال تعرّض المتحف للقصف مجدداً، وهو ما حصل بالفعل! فرغم قصف المتحف مرّاتٍ عدّةً خلال هذه السنوات إلا أن أضرار لوحات الفسيفساء كانت جزئية. ولكن أقساماً عديدةً من المتحف انهارت بفعل القصف، وهو الآن في خطرٍ كبيرٍ بسبب تصدّع أجزاءٍ عديدةٍ منه. وفي حال تعرّضه للقصف مجدداً فمن المؤكّد أنه سينهار بشكلٍ كبيرٍ جداً لتخسر سورية والعالم أجمع! النظام السوريّ وروسيا يكذبان يقول قيس أبو النصر: «تدّعي روسيا أنها لا تقصف إلا جبهة النصرة، ومع ذلك فقد تعرّضت معرّة النعمان لعدّة غاراتٍ جويةٍ كان المتحف أحد ضحاياها، رغم عدم وجود أيّ مقرٍّ عسكريٍّ للنصرة في المدينة». والجدير بالذكر أن معرّة النعمان تشهد، منذ شهرين ونصف، احتجاجاتٍ شعبيةً يوميةً دون انقطاع، بدأت بعد اعتداء جبهة النصرة على مظاهراتٍ سلميةٍ مناهضةٍ للنظام، تلاه اعتداءٌ على مقرّات الفرقة 13 التابعة للجيش السوريّ الحرّ، نتج عنه استشهاد سبعة مقاتلين من الفرقة. كما قامت الجبهة أيضاً بالاستيلاء على معظم سلاح الفرقة 13 من ثقيلٍ ومتوسّطٍ وخفيف، بالإضافة إلى كمياتٍ من الذخائر. واعتقلت عشرات العناصر وبعض المتظاهرين وأفرجت عنهم في ما بعد تحت ضغط المظاهرات الشعبية التي هتفت ضد جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام) ونادت بإسقاط أميرها الجولاني.