- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
لماذا لا ينشقّ الرياضيّون؟ الراتب الشهريّ والتدريب والإقامة هي الأسباب
لمّا فرضت تحوّلات الثورة السورية، على العسكريين والمسؤولين الكبار ومنتسبي الأجهزة الأمنية، الانشقاق وإلا اعتبروا شركاء في ممارسات النظام؛ ظهرت أصواتٌ من صفّ الثوار تطالب بانشقاق موظّفين وفنانين ونجوم رياضةٍ، بل وتطالب أيضاً كلّ من يسكن في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بالخروج منها، دون تحديدٍ دقيقٍ لمفهوم الانشقاق، ودون تهيئة بيئةٍ بديلةٍ يجد المنشقّ دوراً له فيها.
حرصت أجهزة الأمن على إظهار الرياضيين ضمن القطاعات التي تسيطر عليها. فعملت على حشرهم في مسيرات تأييد النظام التي تخرج كلما لزم الأمر، واستخدمت مبدأ الترهيب بالاعتقال أو الفصل من الوظيفة، التي طالما اعتبرت "مكرمةً" من مكارم النظام على الرياضيين، ودليلاً من دلائل رعايته لهم.
ولكـن، في الغالــب، يـتخذ الرياضـــيون موقفاً أقرب إلى معارضـــة النظام، رغم أنهم مجبرون على العيش تحت سلطانه، والمشاركة في المنافسة الرياضية باسمه، أو باسم سوريا التي يمثلها هو، ويرفعون العلم الذي يرفعه. فاللجنة الأولمبية الدولية لا تزال تعترف بالاتحاد الرياضيّ العامّ كممثلٍ وحيدٍ للرياضة السورية في البطولات الدولية. وبحسب ما يقول مصارعٌ، طلب إخفاء هويته، فإن لهذه المشاركة باسم النظام مبرّراتٌ موضوعية: "الرياضيّ المحترف لا يستطيع التوقف عن التدريب، فأيّ خللٍ في برنامج تدريبه يؤدّي إلى تراجعٍ كبيرٍ في أدائه، إضافةً إلى أنه لا يتقن أية مهنة، ولم يكمل تعليمه في معظم الحالات، فقد استولت الرياضة على كلّ حياته. وليس له مكانٌ إلا بجانب النظام، الذي يوفّر له الإقامة والتدريب والطعام".
ولم تكفِ بعض الحالات الفردية لانشقاق بعض نجوم الرياضة لتشكيل ظاهرةٍ في مسار الثورة السورية ككلّ. ورغم الدور الكبير والرمزية العالية اللتين حققهما حارس منتخب شباب سوريا بكرة القدم، عبد الباسط الساروت، وغيره من نجوم الرياضة، إلا أن هذا لم يشجّع معظم الرياضيين على إعلان مواقفهم الحقيقية من الثورة. ويتساءل كثيرٌ منهم عن جدوى هذا الإعلان في وقتٍ لم يعد فيه لانشقاق أحدٍ من خارج النواة الحاكمة للسلطة الأسدية أية فائدة؟ ويستعرض الرياضيون كــذلك قائـمة همومٍ ومظـالم خاصّةٍ بهـــم، تبدأ بإهمـال السـلطة لهم وتنتهي بالتــــمييز بينهم على أساس الولاء والانتماء الطائفيّ. وهي برأيهم أدلةٌ قاطعةٌ على بداهة معارضتهم للنظام، ولكن لا حول لهم ولا قوّة في تحويل هذه المعارضة النظرية إلى أفعالٍ تخدم الثورة بحقّ.
وفي العموم، تصنّف الرياضة في سوريا في مستوىً متأخرٍ على كافة الصــعد، عربياً وقاريّاً وعــالمياً، سـواءً في الرياضات الفردية أم الجماعية. إذ اقتصر البروز والنجاح على حالاتٍ فرديةٍ تتمتع بموهبةٍ عالية، لكنها لن تلبث أن تنطفئ بسبب إهمال الاتحاد الرياضيّ وتقصيره في رعايتها وتشجيعها، لتبقى مثالاً يُتداول عند الحديث عن مبرّرات الثورة لدى الرياضيين كشريحةٍ خاصّة. وأتت الحرب التي شنتها قوّات الأسد على المدن الثائرة لتُبعد كثيراً من الرياضيين عن مجالهم، بتوقفهم عن التدريب بسبب تدمير المنشآت الرياضية في هذه المدن، وانشغالهم بالبحث عن سكنٍ آمنٍ أو عمل.
ومع انهيار البيئة الرياضية ككلّ في محافظاتٍ عدة، آثر كثيرٌ من الرياضيين الإقامة في دمشق، طمعاً في ظروفها الآمنة نسبياً، واستثماراً لمنشآتها الرياضية الناجية من الدمار. يقول أحد هؤلاء، طالباً إخفاء هويته أيضاً، إن تفرّغهم للرياضة لسنواتٍ طويلةٍ حرمهم من أية مقدرةٍ أو مهارةٍ للحصول على عمل، مما جعلهم في حالة تعلقٍ اضطراريةٍ بمؤسّسة النظام المختصّة "الاتحاد الرياضيّ العام"، الذي يقدّم إعاناتٍ شهريةً وبعض احتياجات التدريب ولوازمه الكثيرة ومرتفعة التكاليف.
ولا توجد جهةٌ سوريةٌ معارضةٌ ترعى الرياضة بشكلٍ جديٍّ، باحتضان اللاعبين البارزين على الأقلّ، رغم أن الحكومة المؤقتة شكلت، منذ ما يزيد عن ستة أشهرٍ، هيئةً لدعم الرياضة تابعةً لوزارة الثقافة. إلا أن هذه الهيئة لم تبذل أيّ مجهودٍ يُذكر لدعوة الرياضيين أو لتأمين معسكرات تدريبٍ لهم، أو للتواصل مع الدول العربية المؤيدة للثورة للمشاركة في البطولات التي امتنع النظام عن المشاركة فيها، كما حدث في الدورة العربية الأخيرة التي أقيمت في قطر.