لحظات فرحٍ وحزنٍ عاشها أبناء درعا في العيد

طفلة من منطقة الجيدور - خاص عين المدينة

يأتي العيد في جميع البلدان بنكهةٍ خاصّةٍ تغمر جميع أفراد المجتمع وتزرع الفرحة في نفوسهم، ولكن للعيد في سوريا طعمٌ آخر ومذاقٌ مختلفٌ يعيشه أبناؤها يوماً مثل باقي الأيام لا يخلو من موتٍ أو دمار.

بتول وحذيفة شقيقان بعمر الورد من أبناء مدينة الحارة، سلبت الحرب ابتساماتهما وعاشا على أصوات القصف والمدافع، ولكن يبقى للطفولة احتفالها بقدوم العيد على الرغم من كل ما يحدث. حاولت أسرة بتول وحذيفة إسعادهما قدر المستطاع، فذهبت الأم برفقة ابنيها إلى السوق واشترت لهما ثياباً جديدةً وكلّ ما يحتاجانه ليظهرا غداً بمظهر أطفال العيد. جاء المساء وذهب كلٌّ من الولد والبنت إلى فراشه ووضع ثيابه الجديدة إلى جانبه. غرق الاثنان في الأحلام والأماني في ليلة العيد، ولكن طيران الأسد أبى إلا أن يلقي هدايا الموت والحقد على مدينة الحارة ليرتقي بتول وحذيفة وأمهما شهداء ويصبح عيدهم في الجنة.

يمرّ هذا العيد على محافظة درعا ولا يخلو بيتٌ من شهيدٍ أو معتقلٍ أو جريح. ويأتي مصطحباً الذكريات المؤلمة التي حطمت أهازيج الفرح والسعادة وبثت الحزن ونشرت الألم، كما هي حال أم خالد التي فقدت ابنها بأحد براميل الموت التي سقطت على مدينة داعل. وكان لـ«عين المدينة» لقاءٌ مع هذه الأم التي أكدت أن «أيام هذا العيد مرّت حزينةً ومؤلمةً لنا ولأسرتنا التي غابت الضحكة عنها بتذكر ولدي خالد. خلا بيتنا في هذا العيد من أي طقسٍ من طقوس، فلم أصنع الحلويات أو أشتري السكاكر، كما لم يلبس أطفالي الثياب الجديدة، وأتى الناس إلينا معزّين لا مباركين».

وفي غضون ذلك يبقى الأطفال وحدهم من ينعمون بلحظات سعادةٍ مسروقةٍ على الرغم من الحرمان الكبير، فلا تزال تقام في بعض القرى والبلدات شبه الآمنة معالم قليلةٌ من طقوس العيد، فتوجد بعض المساحات الصغيرة الصديقة للطفل تتضمن الألعاب كالمراجيح والدويخة، بالإضافة إلى ركوب قطار الأطفال والخيول والدراجات الهوائية. هذه الألعاب التي تبعث السعادة في نفوس الأطفال وتنقلهم نوعاً ما نحو مكانٍ وواقعٍ أفضل.

أبو علي، صاحب أحد هذه القطارات في بلدة نمر، يؤكد لـ«عين المدينة»: «كما يعتبر هذا القطار مصدر فرحٍ وسعادةٍ لهم فإنه كذلك مصدر رزقٍ لي ولعائلتي، إذ أنتظر قدوم الأعياد لأنطلق بقطاري إلى ساحات تجمّع الأطفال وأبدأ ببيعهم بطاقات الركوب. يبلغ سعر البطاقة الواحدة 50 ليرةً سورية، وفي كلّ جولةٍ يركب حوالي الـ40 طفلاً وطفلة، نجوب خلالها شوارع وأزقة البلدة التي امتلأت بالمطبات والحفر نتيجة قصف طيران الأسد. وتتخلل ذلك شعاراتٌ وهتافاتٌ من قبل الأطفال تغني للطفولة وللثورة. ألمس سعادة الأطفال الكبيرة بقدوم القطار خصوصاً، وتمرّ أيام العيد وساعاته مسرعةً عليهم».

وعن تأثير أجواء العيد في نفوس الأطفال الذين عاشوا وتربوا في زمن الحرب يقول المرشد النفسيّ محمد الطعمة لـ«عين المدينة»: «الأطفال هم الخاسر الأكبر في جميع الحروب، ولكن فرحة العيد تأتي وترسم ابتسامةً على وجه الطفل وتنسيه بعض المعاناة التي يعيشها بشكلٍ يوميّ». ويرى طعمة أن أيام العيد تحمل نسياناً مؤقتاً لآثار الحرب عند الأطفال، ويؤكد: «نحن، كاختصاصيين، يجب أن نستغل العيد لتنظيم مجموعةٍ من النشاطات والمهرجانات التي تساعد الأطفال على الاستمتاع بفرحة العيد والخروج من أجواء الحرب التي يعيشونها. وقد أقامت عدّة منظماتٍ تعنى بشأن الطفولة مهرجاناتٍ وأنشطةً للأطفال في مدينة صيدا والجيزة».

وقفاتٌ من سعادةٍ وحزنٍ تمرّ هذا العيد على أبناء وأطفال محافظة درعا. ولكن ساعات العيد تنقضي بشكلٍ مسرعٍ لتستمرّ حلقات المسلسل السوريّ.