ظهر تصنيف ومصطلح «المؤيّدين» بعد اندلاع الثورة السورية، في مقابل المعارضين الذين برزت أوائل أصواتهم على وجلٍ ثم اتسعت لتغلب على مدنٍ ومساحات واسعة من البلاد، ولتتشكل لهم هيئاتٌ وممثلون ومقاتلون... إلخ. بعد أن كانت النتائج الرسمية المعتمدة للاستفتاءات الرئاسيّة طوال عقودٍ تراوح عند أواخر التسعينات، سواء في عهد الأسد الأب أو وريثه.
والآن، تجادلُ أطرافٌ داخليةٌ، من النظام أو من سواه، في دعوى تمثيل المعارضة لجميع السوريين أو أغلبهم، بالقول إن لبشار الأسد مؤيّدين كثيرين في أوساطٍ مختلفة. أما خارجياً، فتعمد دولٌ ومراكز أبحاثٍ ووسائل إعلام إلى تقدير نسب توزّع السوريين بين تأييد الأسد أو الثورة عليه. وقد يحدث أن تأتي هذه النسب على هوى النظام أحياناً، لأنها لا تتم في وضعٍ طبيعيٍ مناسبٍ لاستطلاعات الرأي، فتتلقفها أجهزة إعلامه، متجاهلةً طول تشكيكٍ لها بكلّ ما يأتي من الغرب ومؤسساته.
ونزعم هنا أن لا مؤيّدين للأسد في سورية، وأن قراءةً دقيقةً لموقف من يطلق عليهم هذا الوصف، كفيلةٌ بأن تضيفهم إلى كتلة معارضيه، وأن وسائل إعلامه يجب أن «تخجل» من استثمار مواقف هؤلاء المعلنة والمتاجرة بها، مع علمها بحقيقة هذه المواقف.
إذ يعرف كلّ معنيٍّ بخوض السجال الداخلي السوري أن قطاعاً واسعاً من هؤلاء «المؤيّدين» قد بنى موقفه منذ البداية على الخوف والتحسّب من حجم الإجرام الذي يمكن أن يصل إليه هذا النظام، يوم كان المعارضون في الشارع لا يزالون حَسَنِي النيّة، يظنّون أن التظاهرات السلمية والاعتصامات الكبرى كفيلةٌ بإلحاقه بسابقيه التونسي والمصري. وبالنسبة إلى هؤلاء «المؤيّدين»، لم يزدهم انتقال السلطة من قتل المتظاهرين فردياً بالرصاص إلى تدمير الأحياء وقصف المدن باستخدام الأسلحة الحربية الثقيلة وتلك المحرمة دولياً؛ إلا تثبيتاً لقناعاتهم عنه التي خَبِروها منذ أحداث الثمانينيات. ولسان حالهم يقول الآن للثائرين: ألم نقل لكم؟
وإذا شمل هذا القطّاع نخباً مدينية و«عقلاء» رأوا الدمار المحقّق قادماً مع أول مرة نودي فيها بكلمة «حرية»، وكثيراً من الأوساط السنّية في دمشق وحلب والرقة ومدنٍ وبلداتٍ وأريافٍ متنوعة، فإن لـ«تأييد» الأسد في أوساط الأقليات الطائفية مناشئ مشابهةً من الخوف وإن اختلفت أسبابه، إذ يعرف النظام قبل غيره أنه لو لم يحفّز قلق الأقليّات من مستقبلٍ يسيطر فيه إسلاميون سنّة متعصبون، سيضطهدون من سواهم بزعمه، فإن تذمّرها من مظالمه ومعارضتها له لن تقلّ عن باقي السوريين.
أما في «عرينه» المكين فلم يحظَ بشار الأسد بشعبية تذكر، خلال سنواتٍ عشرٍ حكم فيها قبل الثورة. إذ لم يجد فيه العلويون «نموذجهم» الذي تمثّل يوماً في عمّه رفعت، فشقيقه باسل، حتى حطّ عند شقيقه الأصغر ماهر. فمن تكوين جسده وقيافته المدنيّة، إلى شهادته كطبيبٍ، وصولاً إلى خطبه المملّة والمتثاقفة والغامضة، بدا لهم غريباً ومضطرباً وقليل الحيلة. وهم يحمّلونه الآن مسؤولية دوامة الدم التي لا يلوح لهم منها فكاك، سواء لجهة تأخره في «الحسم» حتى استفحلت «الأزمة»، ووصل الثوار إلى درجةٍ من القوة لم يكن ليسمح بها ـ برأيهم ـ أيٌ من الثلاثة المذكورين أعلاه، أو لجهة عجزه عن اجتراح مخرجٍ سياسيٍ كان بمقدور والده أن يجده. ولم تكن ذكرى وفاة حافظ الأسد، التي مرّت منذ أيام، إلا مناسبة أخرى لتحسّرهم على فقدان «حكمته» في أحوج الأوقات إليها. ويجب أن لا ينخدع المرء بصور التأييد و«العبادة» المتركزة على بشار، التي سفحها العلويون دون ضابطٍ خلال السنتين الماضيتين، فالقليل جداً منها موجّهٌ إلى شخصه بالفعل، أما معظمها فهو موجّهٌ إليه بوصفه رمز النظام، ومحور الطائفة، الذي بات يعني دوام سلطتها وأمانها، وربما وجودها.
إذن، لا مؤيّدين للأسد، كما يليق بـ«رئيسٍ» له برنامجه العام والسياسي والمعيشي... هناك فقط متخوّفون من «برنامجه» المجنون: «الأسد أو نحرق البلد»، أو مشاركون نشِطون في تنفيذه... بدافع الخوف أيضاً.