لا تقصفونا لم نعد قاعدة
فتح الشام أول التحولات إلى سوريّة الجماعة

في جولاته الميدانية على المقاتلين في جبهات حلب الغربية والجنوبية كان أبو معاذ المكي، وهو أحد كبار شرعيي جبهة فتح الشام في حلب، شديد الوضوح بضرورة الانصياع إلى أحكام الواقع، والعمل على أولويات (جهاد الدفع)، وحصره في الشام (سورية) فقط.

ينبه الشرعي في واحدة من جولاته تلك إلى الضعف المادي للمسلمين أمام الغرب المالك لأسباب القوة ووسائلها: «سلاحنا صناعة الغرب، سياراتنا صناعة الغرب، أسباب دنيانا صناعة الغرب» وعلينا بناء على هذا الضعف أن نكف عن التفكير ب(جهاد الطلب) والخوض في مواجهات خاسرة وغير لازمة في هذه المرحلة حسب ما قال. إن صحت الوقائع المنقولة عن مصادر مقربة من فتح الشام، مثل خطابات المكي وغيرها من الوقائع، فإن التغيير في أدبيّات الفرع السابق لتنظيم القاعدة قد انطلق بالفعل، مبتدئاً بإخراج الدول الغربية من قائمة الأعداء اللازم مواجهتهم الآن، وإرجاء ذلك الى أجل غير مسمى. ويلفت استطراد الشرعي إلى هذه الناحية أمام جنود مقبلين على القتال وربما الموت الانتباه؛ مما قد يدل على العناية التي توليها فتح الشام لمقتضيات فك الارتباط، ويدل على عزمها اجراء تغييرات جادة وتدريجية في صبغتها وخطابها العام. واتصالاً بذلك ارتفعت أسهم أهل الشام (السوريين) لدى دعاة الجبهة وشرعييها، وصار استحضار الأحاديث النبوية التي تؤكد فضلهم أمراً مألوفاً في يوميات الدعاة، الى جانب بديهيات كانت غائبة من قبل عن أرجحية أهل البلد على سواهم في فهم الواقع والناس؛ مما ينبئ بتراجع أدوار المهاجرين في صفوف الجبهة لصالح السوريين، لكن وحتى الآن، وحسب ما يتسرب من أخبار، لم تبدأ عمليات استبدال سوريين بمهاجرين إلا في نطاق ضيق وعلى مستوى قيادات الصف الثاني الإدارية في (إمارة حلب) على وجه الخصوص.

قراءة في وثيقتين رسميتين
تدرك فتح الشام أن انفصالها المعلن عن القاعدة لن يحقق الأهداف المرجوة منه، مالم يكن استقلالاً كاملاً عنها، تصاحبه تغييرات  نظرية وهيكلية تجعل من الجبهة جماعة سورية، تحصر تطلعاتها في الجغرافية السورية فقط. ولن تبلغ الخطابات الرسمية لجبهة فتح الشام الآن الجرأة التي بلغتها كلمات بعض الدعاة والوعاظ في صفوفها، لأسباب عدة تأخذها الجبهة بالحسبان، لعل أبرزها الحفاظ على تماسكها وصورتها البطولية أمام الأتباع والجمهور. وحتى الآن لم يصدر عن فتح الشام سوى بيانين رسميين، هما بيان فك الارتباط وميثاق جبهة فتح الشام؛ وفي البيان الذي قرأه الجولاني في ظهوره العلني الأول، كانت لغة الخطاب منتقاة بعناية، وحمّالة أوجه، فتلمح إلى نهج سياسي وحركي جديد، أكثر مما تصرح به، لكن المفاد العام لبيان الجولاني كان شديد الوضوح وهو: أيها العالم لا تقصفونا فلم نعد قاعدة. وأما ميثاق الجبهة المنشور مؤخراً فقد كان أشد تحديداً للمتغيرات التي لحقت في منطلقات الجبهة ونهجها بعد فك الارتباط؛ إذ قال الميثاق في بنده الثاني «ندفع العدو الصائل على الدين وعلى حرمات المسلمين، ونرى ذلك من أهم فروض الأعيان ومن أوجب صور إقامة الدين» إذاً هذا هو نوع الجهاد الذي اعتمدته فتح الشام (جهاد الدفع) فقط، ولا محل ل(جهادات) القاعدة في الطلب والتنكيل والنكاية متى أمكنها ذلك وفي أي بقعة من الكرة الأرضية.
وفي البند الرابع يقول الميثاق «نتبع في جهادنا السنن الشرعية، ونراعي السنن الكونية لبلوغ قصدنا، حسب فهمنا لشرعنا وواقعنا» وحتماً إن (مراعاة السنن الكونية) توجب على فتح الشام الإدراك الواعي لفوارق القوة والضعف في التعاطي مع قائمة الأعداء، وتتطلب قدراً من السياسة –وإن سميت شرعية في الميثاق- والحكمة، ومن ثمّ التعايش مع كل من يمكن التعايش معه الآن، وهم في واقع الحال كل عدو (يدعنا وشأننا في مقارعة نظام الأسد)، على ما تريد جبهة فتح الشام.. ويريد سوريون كثر معها ومنها.