لا تريد المهاجرات الغربيّـات الحياة في "دولة الإسلام" إنما الموت في سبيلها!

يقدّر مقرّبون من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عدد النسوة المهاجرات من دولٍ غربيةٍ إلى المدن والبلدات التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا بحوالي 200، يتركّز العدد الأكبر منهنّ في مدن الطبقة والرقة ومنبج.

من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ومن دولٍ أوربيةٍ أخرى، تأتي شاباتٌ عشرينياتٌ، في أكثر الحالات، وبحسب ما تنبي ملامح الوجوه عن الأعمار، وما تتحدّث به بعضهنّ عن حياتهنّ السابقة، التي لا تبرز في الغالب مستويات تعليمٍ أو مهارات عملٍ لافتة.
وسواءً أكانت المهاجرة من أبوين مسلمين أم لا، فإن نقطة التحوّل، بالدخول إلى الإسلام و/أو الالتزام به على النموذج المتطرّف، تبدأ بالتعرّف عرَضاً إلى شخصٍ مؤثرٍ، صديقةٍ هاديةٍ في معظم الحالات، أو رجلٍ سيصبح زوجاً في حالاتٍ نادرة. وبحسب المعلومات القليلة المتوافرة، فإن معظم المهاجرات متزوجاتٌ قبل وصولهنّ إلى الأراضي السورية، برفقة الزوج أو لحاقاً به، ووفق الطريق المعروف؛ تركيا ثم الشمال السوريّ الخاضع لسيطرة داعش. وبعد إقامةٍ قصيرةٍ في بيت ضيافةٍ في البلدات الحدودية، تُنقل المهاجرة إلى المدينة التي يوجد فيها الزوج.
وفي "أرض الخلافة" تتولى البيئة، المصمّمة شكلاً بما يلائم الخطاب العامّ لهذه "الدولة"، جذب المهاجرات إلى مزيدٍ من التطرّف ومزيدٍ من الرغبة في الموت/الشهادة، والانتقال مع الزوج والأطفال إلى "الجنة". فالموت هو هدف المهاجرة الغربية، كما المهاجر، وليس الحياة في ظلّ "دولة الإسلام".

الحياة اليوميّة لمهاجرة

بخلاف البعض، ممن يُمنحن مهماتٍ أمنيةً ورقابيةً على لباس عامة النساء في الشوارع والأسواق، ليست للمهاجرات أدوارٌ أو أعمالٌ هامة. فهنّ ملحقاتٌ بعالم الرجال، ولكن إلحاقاً يخالف الشائع في نموذج المرأة التقليديّ؛ ربّة المنزل التي تعتني بالأطفال وتنشغل طوال يومها بالطبخ والتنظيف والاستعداد لاستقبال الزوج. ويخالف نمط المهاجرة الغربيّة، كذلك، نموذج الناشطة التي لا تكفّ عن القول إن لديها ذاتاً أيضاً. بل تأخذ المهاجرة نموذجها الخاصّ؛ فهي تنتظر فرصتها للموت، مع تأدية الحدّ الأدنى من واجبات الحياة التي لا يُتوقّع أن تطول أصلاً لتتعلم الواحدة اللغة العربية، أو تحفظ القرآن، أو تتعرّف إلى النسوة الأخريات، أنصارياتٍ كنّ أو من عامّة النساء.
تتحدّث شهاداتٌ متواترةٌ لمقرّباتٍ من التنظيم، اطّلعن بشكلٍ جزئيٍّ على حياة المهاجرات، عن ميلٍ حادٍّ لديهنّ إلى العزلة، وعن حالة عدم استقرار طوعيةٍ تحياها كلٌّ منهنّ. ففي المنازل، المؤثثة على عجلٍ لتستقبل عائلات المهاجرين، لا يوجد الكثير مما يدلّ على حياةٍ طبيعيةٍ لزوجةٍ وزوجٍ وأطفال. ولا يستلزم النشاط المرافق لأداء صلاة الفجر، التي تحرص المهاجرات على تأديتها في وقتها، عنايتهنّ بالمنزل. ولا يتطلب الإعجاب بأطباق الطعام السورية، التي ترسلها الأنصاريات، سؤالاً عن كيفية إعدادها. ورغم الودّ والملاطفات الشكلية، لا تبدي المهاجرات رغبةً في معرفة المزيد عن المرأة السورية، التي "تضيق ذرعاً بالحجاب، وتحبّ اقتناء الذهب والتزيّن بالكحل وطلاء الأظافر وأحمر الشفاه، ولا تبالي أبداً بالجهاد"، بحسب النظرة السائدة لدى المهاجرات.
وفي البيت المـخصّص لتأهيــل القادمات الجدد، تترسّخ لدى المهاجرة قطيعةٌ مع حياتها ومجتمعها السابقين، فلا تبدي تعاطفاً من أيّ نوعٍ معهما، ولا لحظة ندمٍ أو مراجعةٍ لما أقدمت عليه. ولا تجري المقارنة، في نفس المهاجرة، بين مكانَي إقامةٍ على الأرض؛ بين الرقة ولندن، أو بين باريس ومنبج؛ فحواضر "الخلافة" محطاتٌ نحو الآخرة/الجنة التي لا يشبهها شيءٌ ولا يجب لشيءٍ أن يؤخّر المضيّ إليها.

أم سيّاف

وعدت هذه المرأة الفرنسية زوجها أن تلحق به، بعد أن نفّذ عمليةً انتحاريةً/استشهاديةً في مدينة الطبقة. وخلال ثلاثة أشهرٍ من إقامتها في هذه المدينة برزت أم سيّاف في أوساط المهاجرات، فهي امرأةٌ قياديةٌ "وهبت نفسها للجهاد"، وكان لها الدور الأكبر في التحاق فرنسياتٍ وأوربياتٍ أخرياتٍ بتنظيم داعش.
قبل أكثر من عشر سنواتٍ دخلت أم سيّاف الإسلام عن طريق صديقةٍ لها. وعن طريق زوج هذه الصديقة تعرّفت أم سيّاف إلى زوجها. وليس لديها، في المرّات النادرة التي تحدّثت فيها عن بلدها الأصليّ، الكثير من الشكاوى سوى من القانون الفرنسيّ الشهير بمنع المحجّبات من دخول الجامعة، وهو ما حرمها من متابعة دراستها،
بحسب ما قالت. لكنها جعلت الأمر وراء ظهرها حين تفرّغت للدعوة، لسنواتٍ عدّةٍ، قبل أن تهاجر إلى سوريا، منذ عامٍ تقريباً، بصحبة زوجها الذي سبقها، في محيط مطار الطبقة، إلى الجنة. وقد وعدته أنها ستلحق به. وهذا ما حدث، بحسب ما تقول مهاجراتٌ أخريات.