لا أحد يتمنّى الموت لجورج وسّوف

لا أحد يتمنّى الموت لجورج وسّوف

ماذا لو استجاب بشار الأسد لرغبات مجاميع الشبيحة بإصدار طابعٍ خاصٍ يحمل صورة المغنّي جورج وسوف، تقديراً ـ كما يبرّر هؤلاء ـ لمواقفه الوطنية الثابتة، ودعمه "لقائد الوطن"؟ هل سيستقرّ الوسّوف حينها على الكرسي الذي سعى طويلاً للجلوس عليه، بخراقةٍ واستهتارٍ متناهيين، وهو كرسي الشبّيح؟
فمنذ بداية الثورة ظهر وسّوف مراتٍ عدةً على وسائل الإعلام، يحضّ على الوقوف مع الرئيس والجيش و"سوريا الجميلة". ويدعو في كل مرّةٍ (وهو يبذل جهوداً كبيرة في الكلام ويتعتع فيه) إلى الحبّ. فهو يحبّنا جميعاً، نحن السوريين، ويحبّ سوريا وقائدها. ويطلب من الذين يحبّونه، والذين لا يحبّونه أيضاً، أن يحبّوا سوريا ويحافظوا عليها. ولطالما لم يحمل أحدٌ سلطان الطرب على محمل الجدّ حين يتحدّث في السياسة أو الوطن، على طريقة أن كلامه فيهما "لا بيقدّم... ولا يأخّر"، ولكن للتغاضي حدوداً كما للصبر، وقد بات من غير المقبول لشخصٍ بشهرة أبو وديع أن يحافظ على غرامه السوقي والمعلن ببشار وجيشه، دون أن يبلغه "الخبر" أن قلب رئيسه المزعوم من "حجر"، وكم لوّع من بشر، بالقتل والترويع والقصف هذه المرة، لا بمجرد الخداع والتحايل و"الشكر بكر". ومن المخجل أن يكون قدَر السوريين هو كون بعض بارزي فنّانيهم على هذا القدر من فقدان قيمة الحياة والكرامة الإنسانيتين، اللتين ينتهكهما الرئيس الأخرق يومياً، فيما يغنّي الصوت الأجشّ لأبي حافظ! دون أن يشعر أنه "كده كفاية"، فقد ولغ رئيسه كثيراً في "التجريح" الفعلي، لا العاطفي، وتعدّى حدود منصبه منذ زمنٍ، في أيّامٍ "صعبة شوية"، بل كثيراً، ونريد لها أن تمرّ بسرعة، وأن يستبين للسلطان المزعوم أن "طبيبه الجرّاح" قد رأى في نفسه سلطاناً حقيقياً، يملك البلاد والعباد. وبذلك لم تعد "الدنيا بخير"، ولا سوريا بخير، بعد أن أصبحت قصة مأساتها يوميّة وحقيقيّة، و"لسّة الميغ بيطير"!!
ولعلّ سبب تشوّش رؤية الفنان السوري الأصل، (الذي يعيش في لبنان، ويغنّي باللهجة المصرية)، هو نظرته إلى الوطنيّة بطريقة تبدو فيها نوعاً من التبعيّة والاستزلام لمعلّمٍ يجب أن يقدّم الآخرون أنفسهم فداءً له، وحباً فيه. بشكلٍ يشعر معه المشاهد لوسّوف بأن هذا الحبّ هو بيدرٌ عملاقٌ من الحشيش، يجب على السوريين الغاضبين تحويله إلى ملايين اللفافات المخدّرة، والاستماع لحفلةٍ من حفلات سلطان الطرب، الذي قال مرةً
إن سوريا بلد أمنٍ وأمان، وبلدٌ فيه بهجة، وبهجتنا هو رئيسنا. وما علينا، إن أشكل علينا أمرٌ من أمور الدنيا، إلا الإصغاء إلى خطاب الأخير في مجلس الشعب، في 30 آذار 2011، يوم ضحك 26 مرةً ليمنح نفسه ومستمعيه إحساس "البهجة" بقرب نهاية الأزمة.
تربط بشار الأسد بجورج وسّوف علاقة حميمة، كما يبدو من الصورة التي نشرها موقع المطرب الإلكتروني، ويظهر فيها الرجلان مبتسمين، بعد زيارةٍ قام بها وسّوف لشكر بشار على الرعاية الكبيرة والاهتمام الشديد اللذين أولاهما له أثناء الوعكة الخطيرة التي كادت تودي بحياته نتيجة جلطة دماغية. هناك سؤال طريف لا بد أن يسأل: هل كان وسّوف المطرب المفضل لبشار؟ وإن كان الجواب لا، فسيصبح السؤال: هل يوجد لشخصٍ ثرثارٍ مثل بشار الأسد مطربٌ مفضّل؟ والجواب هنا، وبحسب علم النفس: لا، لأن الطرب يحتاج إلى استماع. وهذا ما لا يستطيع الثرثار فعله.
سؤالٌ آخر: ماذا لو مرّت سيارة وسّوف بحاجزٍ للجيش الحر؟ هل سيحيّي وسّوف الثوار بنفس العبارة البذيئة التي حيّى بها جنود الأسد الذين تسابقوا على التقاط الصور معه؟
اقتراح ثوري: بعد سقوط الأسد وإلقاء القبض على جورج وسوف بتهمة التشبيح والتحريض على القتل، يجب أن يبرّئه القاضي من هذه التهمة بعذرٍ مخففٍ هو وقوعه في حالة سكرٍ استمرّت لعقود. ولا بد أيضاً أن يلقي القاضي به، وحرصاً عليه، في مصحٍّ إجباريٍّ، ولكن على نفقته الخاصّة.