عدسة حسن | خاص عين المدينة
على الضفة اليمنى لنهر الفرات 45 كم جنوب دير الزور، وبالقرب من مدينة الميادين، وسط سهل زراعي خصب، بنى الملك الآرامي نينوس بن بلوس مؤسس مدينة نينوى قلعة الرحبة في القرن الثاني قبل الميلاد، وتعتبر تلك القلعة من أهم المواقع الأثرية والمدن التي اشتهرت في وادي الفرات.
جمعت الرحبة معظم خصائص القلاع المنيعة المبنية وفق أسس الهندسة العسكرية لذلك العصر، إذ يتألف هيكلها من ثلاثة أدوار وسورين داخلي وخارجي، ويبلغ طول السور الخارجي 274م وطول الضلع الغربي 95م، ويتضمن مكامن للرماية، ويبلغ طول السور الداخلي 137م، أما مدخل القلعة من الجهة الغربية فقد كان له جسر خشبي يرفع ليلاًً
الرحبة التي تعني الرحابة والاتساع وهي كلمة ساميّة قديمة حُكمت من قبل مالك بن طوق مدة أربعين عاماً، ومن بعده ابنه أحمد حيث اقتطعها من هارون الرشيد كما تذكر بعض الروايات ورممها وازدهرت في عهده، وتولى الرحبة أكثر من ستين والٍ منهم القرامطة والأيوبيون والمماليك والحمدانيون، وقد حاصر المغول بقيادة خربنده مدينة الرحبة وقلعتها عام 712هـ - 1312 م، وفشل حصارهم لها بسبب مناعة أسوار القلعة، فترك خربنده وراءه المدافع التي كان يحاصر بها القلعة والمدينة، فاستولى المدافعون عليها ونقلوها إلى داخل القلعة.
خلال الحرب التي شنتها القوات الأسدية على الميادين، لم تكن هذه القلعة الشهيرة بمأمن من وحشية النظام فلقد تعرضت القلعة للقصف ولمرات عدة بالمدفعية, لكن جدرانها القوية والمتينة كانت أقوى من هذه القذائف، فبقيت القلعة وبقيت جدرانها شامخة دوماً في وجه كل الغزاة, و نالت هذه القذائف ذاتها من مقام الشيخ أنس المجاور للقلعة, فسوت هذا الضريح القديم بالأرض.
يقول محمد الرحبي وهو شاب من الميادين إنه ومنذ الطفولة كان ينظر إلى القلعة نظرة خاصة, فهي جزء منه كما يحس وجزء من ثقافته وتكوينه, حيث نشأ هو وجميع أطفال الميادين على حكايا القلعة التي تقصها العجائز في ليالي الشتاء، وكيف يفيض نهر الفرات ليبتلع البيوت والأراضي والقرى، ويصل إلى تخوم القلعة ليملأ الخندق الدائري حولها وكيف يقيم جنيٌّ في النفق المظلم الممتد بين القلعة وبين «العلوة», والعلوة حي صغير توجد فيه أقدم بيوت الميادين وجوامعها.
وفي طبقات القلعة التي يتحدث عنها جميع «الميادينيين» قصص لا تنتهي عن الكنوز وصناديق الأساور والعملات، وتماثيل الملكات الذهبية، وقد تعرضت القلعة لمحاولات تنقيب بقصد السرقة, أيام نظام الأسد كما يؤكد أحد المهندسين المطلعين على ملف الآثار بديرالزور، ويتهم هذا المهندس ضباط الأمن بالوقوف وراء هذه العمليات, وفي كلامه هذا الكثير من الحقيقة وخصوصاً مع الأخبار المتواترة عن ارتباط منقبي الآثار وتجارها بالمخابرات.
وفي جانب آخر لا تحظى القلعة الآن بأية حراسة أو اهتمام من أحد, على الرغم من رمزيتها الكبرى للميادين