عدسة بلال | خاص عين المدينة
بحزنٍ كان يتحدث عن أرضه في "السوسة"، القرية التي ارتبط اسمها في مخيلة أهل "الدير" بالرمّان. لكنه، وهو الفلاح الفراتي الشاب، ربط أرضه الصغيرة بمحصول القطن، وربط مستقبله بموسمه الوفير في السنوات الماضية. الشاب "هاني الخلف"، من ناحية "السوسة"، تحدث عن تراجع زراعة القطن في قريته لهذا العام، أسوةً بالأراضي الزراعية الأخرى في ريف دير الزور.
حاول هاني أن يحدد الأسباب التي أدت إلى مردودٍ هزيلٍ لمحصول القطن هذا العام، مفصّلاً إياها في حديثه: لعل أهم تلك الأسباب هو الارتفاع الجنوني لأسعار الأسمدة الزراعية.
إذ يلزم للدونم الزراعي الواحد كيسان من السماد (يوريا 46)، يصل سعر الكيس الواحد منها إلى 5000 ليرة. كما أن حاجة محاصيلٍ أخرى إلى نفس نوعية السماد، مثل الخضار والفواكه الصيفية، قد تتسبّب في ارتفاع سعر الكيس إلى 9000 ليرة. وهو ما يساوي عشرة أضعاف سعره قبل الثورة، حين كان يباع بـ 900 ليرة فقط.
وهو ما ينطبق على كافة الأصناف الأخرى من الأسمدة الزراعية. بالإضافة إلى غلاء المبيدات، التي يحتاجها محصول القطن لهذا العام أمسّ الحاجة، نتيجة انتشار الإصابات الحقلية. كما واجهتنا مشكلة الحصول على المحروقات، وخاصة مادة المازوت، مما أدّى إلى رفع تكلفة حراثة الدونم الواحد من 500 ليرة إلى 2000 ليرة في بعض المناطق. وارتفاع تكاليف صيانة المحركات الزراعية حوالي 5 أضعاف تكلفتها السابقة، فمثلاً زيت المحركات عيار 40 كان سعره 100 ليرة،
بينما أصبح سعره الآن 750 ليرة. وأخيراً صعوبة تأمين قطع غيارٍ لهذه المحركات. وهذا كله ينصبّ ضمن ما يمكن تسميته بسياسة العقاب الجماعي لفلاحي المنطقة، والتي تبيّن لنا، بلا أي عناءٍ، رغبة هذا النظام في إرهاق الفلاح والحدّ من إنتاجية الأرض الزراعية لديه. فعموم ريف دير الزور تقريباً يعتبر من المناطق المحررة.
أما عن موضوع التلوّث في المنطقة بسبب التكرير العشوائي للنفط الخام، فقد أدّى إلى مشاكل كبيرة، حال دون إمكانية معالجتها بشكلٍ جيدٍ تضييق النظام على الفلاحين في المنطقة، وصعوبة الحصول على المبيدات وغلاؤها. وحدثنا عن ذلك السيد "حسين الجدعان"، وهو مزارعٌ من أهالي قرية "مرّاط "، ورئيس اللجنة العليا للتربية بالمحافظة، بالقول: تسبّب التلوّث النفطي في منطقة الفرات، وما ينبعث من عملية التصفية العشوائية للنفط، بالعديد من الإصابات الحقلية، مثل "دودة القطن"، وكذلك كثرة حشرة "المن"، بالإضافة إلى أن بعض النباتات قد ماتت قبل طور الإثمار، وبعضها لم يحمل الأجراس بسبب التلوث.
ولا تنتهي معاناة الفلاح عند جني محصوله الضئيل، بل تتواصل لتمتد إلى صعوبات التسويق وتصريف الإنتاج. ويواصل "الجدعان" حديثه قائلاً: هناك مشكلة كبيرة عانى منها الفلاح خلال هذا الموسم، فقد بدأ الآن قطاف القطن دون وجود سوقٍ لتصريف المنتجات، بسبب حرق المحلجة في الشهر الثاني من العام الحالي 2013، والتي كانت أساس تصريف منتجات الفلاحين من الأقطان، مما يجبر الفلاح على بيعه للتاجر الذي يورّده بدوره للنظام، ويدخل الفلاح في دائرةٍ من الاستغلال، تزيد من أثقال كاهله المثقل أصلاً.
وعن الإجــــــــــراءات التـــي يراها "الجدعان" مطلوبةً لحل بعض المشاكل التي يعاني منها محصول القطن، اقترح ما يلي: تشكيل لجنة عليا للزراعة في المحافظة، لكي يتم التعاقد مع الحكومة التركية مثلاً لشراء هذا المحصول.
كما يجب تأمين الأسمدة للموسم القادم بسعرِ معقولٍ، عن طريق رخصٍ زراعيةٍ من المجلس المحلي أو الوحدة الزراعية. بالإضافة إلى الحاجة الماسّة إلى جرّ أقنيةٍ للريّ في بعض المناطق.