قذائف الأسد دمّرت مصانع الشيخ نجّار ولصوصه يمنعون إعادة تشغيلها

خلال عامين من وقوعها تحت سيطرة الجيش الحرّ –من آب 2012 إلى تموز 2014- تعرّضت مدينة الشيخ نجار الصناعية بحلب لأكثر من (500) غارةٍ من طائرات الأسد، ولآلاف القذائف المدفعية والصاروخية، مما ألحق دماراً هائلاً بالمدينة الصناعية الأكبر في سوريا.

تبعد مدينة الشيخ نجار الصناعية مسافة (15) كم شمال شرق مدينة حلب. وتقع على مساحة (4112) هكتاراً. ويمكنها أن تستوعب أكثر من 6)) آلاف معملٍ، حسب مقاسمها الصناعية، إضافةً إلى مرفقاتٍ أخرى. وتعدّ صناعات النسيج والصناعات الغذائية والهندسية والكيماوية أهمّ الصناعات في هذه المدينة. بلغ حجم الاستثمارات فيها (166) مليار ليرةٍ سورية، أي ما يعادل (3.5) مليار دولار. وعمل في مصانعها، بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ، ما يزيد على (40) ألف عامل.

حسب مهندسين عملوا في لجان تقييم الأضرار التي شكّلتها إدارة مدينة الشيخ نجار الصناعية بعد سيطرة قوّات الأسد عليها، بلغت نسبة الأضرار أو الدمار التي لحقت بالمدينة بأجزائها الثلاثة (%60) في مصانع الفئة الأولى و(25%) تقريباً في الفئتين الثانية والثالثة. وتضرّرت البنية التحتية للمدينة بنسبٍ متفاوتة، إذ بلغت نسبة الدمار في المحطة الرئيسية لتحويل الطاقة R1 (25%)، وتضرّرت المحطة (M1) بنسبةٍ أكبر بعد سقوط صاروخٍ في موقعها، وخرجت شبكة الاتصالات الهاتفية عن الخدمة، وتعطلت شبكة إمداد المياه، وتضرّرت شبكة الطرق داخل المدينة بفعل البراميل والقذائف المتفجّرة. وينقل أولئك المهندسون شهاداتٍ عن سرقات منشآتٍ كبرى سلمت من القصف على أيدي ضباط وجنود وشبّيحة الأسد المحليين (من بلدة تل شغيب القريبة من مطار النيرب على وجه الخصوص)، وعن إجبار المهندسين على تسجيل جرائم السرقة والتخريب على أنها من فعل "العصابات الإرهابية المسلحة". ولم تسلم من ذلك حتى منشآت الصناعيين المقرّبين من النظام.

زاد العدد الإجماليّ للمنشآت الصناعية في حلب قبل الثورة على (38) ألف منشأةٍ توزّعت في (15) منطقةً وتجمّعاً صناعياً في محيط المدينة وداخلها، كان أبرزها الشيخ نجار والشقيّف والليرمون وكفر حمرة والعرقوب والزربة وجبرين. وقدّرت أرقامٌ رسميةٌ عدد العاملين، بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ، في هذه المنشآت بنصف مليون.

وخلال عامٍ ونصفٍ من سيطرة قوّات الأسد نشأت سوقٌ تُعرض فيها تجهيزاتٌ ومعدّاتٌ وخطوط إنتاجٍ كاملةٌ للبيع، ليضطرّ كثيرٌ من الصناعيين إلى شراء ممتلكاتهم من سارقيها. وبدا مسؤولو حكومة الأسد عاجزين عن التصدّي لظواهر السرقة المتفاقمة في الشيخ نجار، فلم تخفّف زيارة رئيس وزراء النظام إلى المدينة من هذه المظاهر، ولا زيارات غيره من الوزراء، الأمر الذي دفع رئيس غرفة صناعة حلب، فارس الشهابي، إلى الدعوة إلى إغلاق المدينة حمايةً لما تبقى من منشآت فيها، فـ"المدينة الصناعية بحلب بحاجةٍ لحكومةٍ تقدرها وتحميها وتعرف كيف تشغلها" حسب قوله. وتكشف دعوة الشهابي تلك، وهو من أشدّ المتطرّفين في تأييد نظام الأسد، عن مستويات فسادٍ غير مسبوقٍ، يستحيل معها نشوء بيئة عملٍ وصناعةٍ من أيّ نوع، فيما تبدو محاولات بعض الصناعيين إعادة تشغيل منشآتهم ضرباً من العناد أو من مغازلة حكومة الأسد وتأكيد مزاعمها بعودة الحياة إلى مدينة الشيخ نجار الصناعية.

عند تأسيسها في العام 2004 قُسّمت هذه المدينة إلى ثلاث فئاتٍ، الأولى للمعامل الصغيرة، والثانية للمتوسطة، والثالثة للكبيرة. وبلغ عدد المعامل المنتجة فيها قبل الثورة (1250) معملاً، لم يعاود منها العمل اليوم -وبعد عامٍ ونصفٍ من استعادة النظام السيطرة عليها- أكثر من (200) معملٍ وبالحدود الدنيا للإنتاج. وتحوّلت المدينة الصناعية إلى شبه مدينةٍ سكنيةٍ يقطنها أكثر من (30) ألف نسمةٍ معظمهم من النازحين، حرص بعض الصناعيين المقرّبين من النظام على استغلال ظروفهم فافتتح فارس الشهابي -على سبيل المثال- مدرسةً صغيرةً للأطفال النازحين في الأبنية التابعة لمعمله، أطلق عليها اسم "مدرسة الشهيد العقيد إياد حرفوش" تخليداً لذكرى ضابطٍ في قوّات الأسد قتل خلال معارك سيطرتها على المدينة.