لم تعد تخفى فظاعة الممارسات التي يقترفها تنظيم الدولة الإسلامية بحقّ الرازحين تحت سلطته، بهدف تغيير البنية العامة للمجتمع بما يتناسب مع رؤيته وعقيدته. وينطبق هذا، إلى حدٍّ كبيرٍ، على تدخله في الشعائر والتقاليد الاجتماعية والدينية السائدة. لكن القوانين الداعشية الخاصّة بمظهر الأفراد ولباسهم تلفت النظر إلى نوعٍ آخر من الرغبة في التحكّم بالحياة الفردية، يخفي خلفه الكثير من النوازع.
في مطلع الشهر الجاري، منع تنظيم داعش شباب محافطتي الرقة ودير الزور من ارتداء بناطيل الجينز الضيقة وحلق اللحى وقصّاتٍ معينةٍ للشعر، بعد أن نشر تعميماً بهذا الشأن شدّد فيه على ضرورة حلق الشارب. ويعاقب المخالف بالسجن لعشرة أيامٍ يخضع بعدها لدورةٍ شرعيةٍ مدّتها شهر. وفي حال عدم اجتيازه الامتحان؛ يتوجّب عليه دفع غرامةٍ قدرها 3000 ليرةٍ، مع إعادة الدورة الشرعية. وتشمل العقوبات المتخلفين عن صلاة الجماعة في المساجد، والمدخّنين، وكلّ من يحوي جوّاله على أغانٍ. وتزامن ذلك مع حملةٍ واسعةٍ شهدتها شوارع المدن عن طريق دوريات الحسبة، تمّ خلالها اعتقال عشرات الشبان المخالفين وأخذهم إلى مركز الحسبة، وفق العديد من الشهود. مما دفع الشبّان إلى ارتداء البيجامات الرياضية لأنها لا تصنف ضمن قائمة المخالفات الداعشية، تجنباً لتلك العقوبات. وفي الوقت ذاته تُعرف عن عناصر الحسبة كثرة "مناصحتهم" بضرورة تقصير "الكلابية". وتختلف طبيعة هذه المناصحة بحسب مزاج العنصر من جهة، وبحسب طبيعة المنطقة وطريقة تعامل التنظيم معها من جهةٍ أخرى. إذ بات من المتداول الآن بين السكان ملاحظة مدى تشدّد التنظيم في تطبيق هذا النوع من القوانين في "ولاية الخير" بالمقارنة مع "ولاية الفرات"، على سبيل المثال، التي ما زال عناصر الحسبة فيها يغضّون الطرف عن تنفيذ العقوبات بحقّ مشذّبي اللحى، دون أن يجنّب ذلك أصحابها ثقل دم المناصحة.
وفي الميادين، لوحظت حالات اعتقال شبّانٍ كانوا قد قاموا بتصوير بعض الأماكن في المدينة، وتمّ سجنهم بتهمة التعامل مع النظام وإعطائه إحداثيات تلك الأماكن. وكان التنظيم قد أصدر قراراً بمنع تصوير أيّ معلمٍ أو بناءٍ أو شارعٍ منعاً باتاً، حفاظاً على سلامة مقرّاتهم، كما زُعم. في حين لم تتوقف حملات مداهمة المحالّ التجارية وإغلاق ما يحتوي منها على الدخان والمعسّل، فضلاً عن سجن أصحابها ومعاقبتهم بالجلد، ومصادرة الدخان وحرقه أمام الملأ.
وفضلاً عن الذكور، باتت ممارسات التنظيم بشأن مظهر النساء معروفة. فقد شهدت أسواق مدن البوكمال والميادين والرقة احتجاز نساءٍ بتهمة عدم ارتدائهنّ اللباس الشرعيّ. وكذلك سُجّلت حالات احتجاز نساءٍ في الميادين كنّ قد حملن حقائب يدٍ مطرّزةً وملوّنة، وتمّ اقتيادهنّ إلى مركز الحسبة ومصادرة حقائبهنّ بحجّة أنها ليست إسلامية (سوداء لا تحوي تطريزاً أو ألواناً). وكذلك تمّ احتجاز نساءٍ في الرقة لارتدائهنّ أحذيةً ذات كعبٍ عالٍ أو ملوّنة، وتغريم كلٍّ منهنّ بمبلغ 3000 ل. س، وإلزامهنّ بارتداء أحذيةٍ سوداء زاحفة.
وكان التنظيم قد منع الإعلانات واللافتات الخاصّة بمحلات الحلاقة ومراكز التجميل النسائية، كما منع عرض التماثيل في واجهات محلات الألبسة عموماً، وفرض على متاجر الألبسة النسائية أن تكون البائعة أنثى.
يدّعي التنظيم، من خلال هذه الإجراءات، تطبيق الشريعة وتصحيح ما يسمّيه "مظاهر الشرك والردّة". لكن لا يمكن تصوّر كلّ هذا الهوَس بلحى وشعور ولباس محكوميه إلا كشكلٍ من أشكال الرقابة والرغبة في السيطرة والتحكم لا بما يجول في أذهان الجماعات والأفراد وحسب، وإنما بأجسادهم أيضاً، كنوعٍ آخر من أنواع التعطش إلى السلطة، يخفي ما يخفيه من شعورٍ بالنقص تجاه البشر المختلفين والمتمتعين بحيواتهم العادية، ولذلك يسعى إلى قولبتهم وتصويرهم بما يراه مناسباً. وهذا ما جهدت أنظمة تسلطٍ كثيرةٌ على فعله لكنه، كما بات لا يخفى على أحدٍ أيضاً... لم يحرز النجاح أبداً.