في قرية الباغوز الحدودية: فرحةٌ بإزالة الحدود مع العراق، وخوفٌ من "داعش"

قرية الباغوز - الصورة من شبكة أحرار الباغوز

يبلغ عدد سكان قرية الباغوز 15 ألف نسمة. وتبعد 140 كم تقريباً عن مدينة دير الزور، إلى الشرق منها، على الضفة الشمالية لنهر الفرات، ملاصقةً للحدود التي قسمت القرية إلى جزئين في كلٍّ من سوريا والعراق.

في الباغوزين تقطن المجموعات العشائرية والعائلية ذاتها، ولا سيما عشيرة المراسمة وعائلات الراويين. ويرتبط السكان بروابط القربى والنسب والمصاهرة. ورغم الإغلاق الصارم للحدود، الذي استمرّ لعقودٍ عدّة، تبدو هذه الروابط فعالةً في حياة القريتين، وخاصةً بعد أن أزال تنظيم "الدولة الإسلامية" الحدود قبل ستة أشهر.
قبل الثورة، عُرفت الباغوز بأنها طريقٌ هامٌّ من طرق تهريب البضائع بين سوريا والعراق، مما جعلها محلّ تركيزٍ وتدخلٍ فوق المعتاد من أجهزة المخابرات السورية، ليحظى -بهذا التدخل- بعض المخبرين بأفضليةٍ وحظوةٍ لدى هذه الأجهزة. واليوم، وبعد أن تناوبت أشكال سلطةٍ مختلفةٌ على هذه القرية، وما رافق ذلك من فوضى ومن حوادث داميةٍ في بعض المرّات، مع انهيارٍ كاملٍ لمنظومة الخدمات والصحة والتعليم؛ لا يوجد كثرٌ من أهالي الباغوز ممن يذكر عهد عائلة الأسد بأيّ خير، رغم كلّ الظروف الصعبة التي مرّت بها القرية خلال السنوات الثلاث الماضية. ومن غير أن يرافق ذلك أيّ تفاؤلٍ بالمستقبل، بل يبدي معظم السكان مشاعر هي أقرب إلى التسليم بالقضاء والقدر. وأيضاً، من غير أن يدافع البعض عن تنظيم "الدولة الإسلامية" بأن له "إيجابياتٍ" كثيرةً، كما يقول شابٌّ طلب أن تعرّف به "عين المدينة" بصفة ناشطٍ سابقٍ من سكان الباغوز: "الدولة شالت الحدود، وصارت الناس تروح وتجي على كيفها ما حدا يسألها وين الطريق. وصار الواحد يكدر يخطب من هين أو هين. ولحدّ الآن تسع بنات انزفن من الباغوز السورية للعراقية". في قريةٍ واحدةٍ، تمّ شطرها إلى جزئين، يمكن بسهولةٍ فهم أهمية إزالة الحدود. فقد أعاد لهم تنظيم "الدولة" جزءاً من ذاتهم الجغرافية والاجتماعية، بحسب ما حاول الناشط السابق أن يشرح: "هذا أخو هذاك، وهذاك عم هذا، وهي خالة هذاك". معظم العائلات لها قرابةٌ من الدرجة الأولى تسكن في الجزء الآخر بعد الحدود. وخلال اليوم يتنقل الكثيرون سيراً على الأقدام لتفقّد قريبٍ أو لزيارة تسليةٍ عند صديقٍ أو لقضاء شأنٍ من الشؤون. وخلال عشر دقائق يمكن لشابٍّ من الباغوز السورية أن يتمشى لزيارة شقيقته التي تزوّجت في العراق.
ويذكر الناشط السابق "إيجابيةً" أخرى لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وهي تشغيلهم لمحطة تصفية المياه: "من ثلاث سنين واقفة بسبب انقطاع الكهربا، وما حدا شغّلها غيرهم. جابو مولدة ضخمة من العراق وشغّلو المحطة". وإلى جانب "إيجابيات" التنظيم هناك سلبياتٌ كثيرةٌ يتحدث عنها البعض خفيةً وبحذر، وأهمها التضييق الشديد على السكان، والتدخل في شؤونهم الخاصّة، وإجبارهم على سلوكياتٍ وأفعالٍ لم يعهدوها من قبل: "يعني مثلاً يجبرون الحرمة تغطي وجهها على طول. ونحن بقرية، ونسواننا تشتغل بالفلاحة و بالبقر، وصعبة تظل الوحدة مغطاية بالشغل"، يقول رجلٌ عجوزٌ متذمراً من قوانين "الدولة"، رغم اعترافه بأهمية تسهيل التنقل بين الباغوزين. لكن هذا لا يحجب حقيقة أنهم "يجلدون الناس ويسجنون ويصلبون ويقطعون روس"، بحسب ما يضيف الرجل الذي ألحّ هو الآخر على اخفاء هويته.
استفاد كثرٌ على جانبي الحدود من إزالتها، إذ افتتح تاجرٌ من الباغوز العراقية مستودعاً كبيراً لبيع الإسمنت في الجزء السوريّ، ويحمل عشرات الشبان السوريين كلّ يومٍ بضاعتهم من المشتقات النفطية البدائية لبيعها في العراق، إضافةً إلى تفضيل مالكي السيارات صيانة سياراتهم لدى ورشات التصليح العراقية.
ولكن، رغم التقارب واســتئناف العلاقات الاجـتماعية، ورغم العلاقات الاقتصادية النامية بين الجانبين، ورغم سيطرة "الدولة الإسلامية"؛ ما يزال سكان كلٍّ من الباغوزين يعرّفون أنفــسهم بأنهم سوريون أو عراقيـون. ولا يبــدو أن هذا الـتعريف في طــريقه إلى الـزوال قريباً.